العراق.. لا يهدأ

منذ أيام رابع الخلفاء الراشدين، علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، وحتى هذه الأيام، يعيش العراق العظيم في حروب وويلات ونكبات واحدة تلو الأخرى.. فما يكاد يخرج من مصيبة حتى يقع أو يُصاب بثانية.اضافة اعلان
وكأنه مكتوب على الأشقاء العراقيين أن يعيشوا في مآس ومعاناة دائمة، والتي نتضرع إلى الله عز وجل أن تنتهي مآسيهم ومعاناتهم، فقد خسروا جراء ذلك عشرات الملايين من الأرواح، من بينهم رضع وشبان ونساء وشيوخ، وإصابات، العديد منها تسببت بإعاقات دائمة، ناهيك عن تدمير بنى تحتية وتراث وحضارة تُعتبر من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، منذ بدء الخليقة.
العراق، الذي دخل في الثلث الأخير من القرن الماضي، حروبا، خسر فيها ما خسر من أرواح شبابه وجنوده، وأنهكت اقتصاده لا بل ودمرته، بطريقة، الكثير الكثير متيقن بأنها مخطط لها.. وبعيدًا عن مقولة بأن العربي دائمًا يعيش على نظرية المؤامرة ضده، فوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق هنري كيسنجر يقول "الطريق إلى القدس يمر عبر سقوط بغداد"، عاصمة الخلاقة العباسية، التي حكمت ثلي العالم في وقت ما.
نخشى أن تترك كلماتنا شيئًا سلبيًا في نفوس الأشقاء العراقيين.. لكن هناك إجماعا بأن العراقيين مبتلون إما بزمرة حكم فاسدة أو "ظالمة"، بالإضافة إلى ما يُعانيه البلد من انقسامات داخلية، قد ظهرت للعلن، بُعيد احتلال العراق على يد الأميركيين، أصحاب الصهاينة الحاقدين، بحجة نشر الديمقراطية في بلد، يذكر التاريخ بأنه صاحب أقدم قانون وُجد على الكرة الأرضية، ضبط قواعد الحياة بالمجتمع!.
نعم، حضارات بلاد ما بين الرافدين، التي تُعاني من فساد وظلم وهضم للحقوق، يقرها العراقيون أنفسهم، كانت في القرون القديمة جدًا، لديها قوانين عالجت مواضيع الفساد الاقتصادي، والذي كان وقتها يتمثل بتعرض الحقول والأغنام والمواشي للسرقة، بالإضافة إلى أنها أكدت على المساواة بين الجميع، وحفظ حقوق الضعفاء، كما عالجت المسائل الاجتماعية كالطلاق، ووضعت عقوبات لقضايا القتل والسرقة والزنا والاغتصاب.
أيعقل، بعد أن وضع العراق، في قديم الزمان، أول قانون لنشر العدل، وما يزال حاليًا يُدرس القانون العراقي، أن يُعاني أهله من فساد أو ظلم أو عدم مساواة وعدم تكافؤ.
أيعقل للعراق، الذي كان يُعتبر سلة الخير العربي، وسيعود كذلك عاجلًا أم آجلًا، أن يُعاني أهله من فقر وبطالة وقلة فرص عمل، فضلًا عن قلة الخدمات العامة.. أيعقل أن يكون العراق، ثاني بلدان العالم الأكثر تصديرًا للنفط، بلا كهرباء وبلا ماء وبلا بنى تحتية.
العراق، الذي انتهى قُبيل أعوام من حروب خارجية، يبدو أنه مكتوب عليه حروب داخلية لن تنتهي، وخصوصًا مع خطة أصحاب الشياطين، الأميركيين، الذين وضعوا نظامًا ركيزته الأساسية "المحاصصة الطائفية والاتنية".. لن ينعم العراقيون، براحة أبدًا، إذا لم يتمكنوا أو يعملوا لمحاربتها بُغية القضاء عليها.
آما آن للعراق أن يهدأ.. آما آن لهذا البلد، الذي قدم في كل الحروب العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضريبة الدم من أبنائه، فضلًا عما قدمه من أموال ومنح نفطية، ساهمت بإنقاذ دول من الانهيارات، أن تتوقف فيه الفوضى والعنف اللذان باتا سمتين دائمتين للعراق ولأبنائه، الذين يبلغ عددهم أربعين مليون نسمة.
العراق الآن، أمام حركة غير مسبوقة، فالاحتجاجات ستبقى قائمة إذا لم تتحسن الظروف المعيشية للعراقيين، وبالتالي سيكون الوضع سيئا، خاصة وأن العراق يفقد عشرات الأرواح من أبنائه في كل مظاهرة أو مسيرة أو اعتصام.. وليس في ذلك براءة.