العرب.. إذا قامت حرب باردة

جاء قرار شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، بالانضمام إلى روسيا، بعد أن دخلت القوات الروسية المنطقة بالفعل، بترحيب من أهلها. وبدا أنّ الروس استطاعوا التأثير في الحدث بفضل القوتين السياسية والعسكرية. وبات السؤال: هل سيحتل الروس مناطق أخرى في شرق أوكرانيا، وهل تندلع حرب باردة عالمية جديدة؟اضافة اعلان
بدأ الأمر بالصراع داخل أوكرانيا على انضمام البلاد للاتحاد الأوروبي، أو إقامة علاقات خاصة مع الروس تؤدي لاتحاد أوراسي، يسعى له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبينما استطاعت المعارضة المؤيدة "للجيوسياسة" الأوروبية طرد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، فإنّ شرق البلاد تفضل الروس.
لن تكون أي حرب باردة على غرار الحرب الباردة زمن الاتحاد السوفيتي. فروسيا الحالية تتحرك من منطلق قومي لا أيديولوجي، وهي ليست بقوة الاتحاد السوفيتي، ولا يمكنها الدخول في معركة استقطاب عالمية كبرى على غرار الزمن الماضي. ولكن أي حرب باردة بين الروس والغرب (أو جزء منه)، ستكون لها ارتدادات عالمية كثيرة.
سيعزز حدوث توتر أكبر في العلاقات الروسية-الأميركية، على خلفية ما يحدث في شرق أوروبا، فكرة "الأنظمة الإقليمية الفرعية"، التي أراها العنوان الأفضل لوصف شكل النظام الدولي، بدل الحديث عن استقطاب دولي، وتعددية أو ثنائية قطبية. بمعنى أنّه في كل منطقة في العالم، ستكون هناك أهمية لدول إقليمية كبرى، تتحدى أو تتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، من دون رابط أيديولوجي أو مصالح حقيقية دائمة تجمع "المتمردين" ضد الأميركيين. لكن الأنظمة والدول المختلفة قد تجد في الروس حليفا ممكنا "لإغاظة" الأميركيين، وإيصال رسالة لهم "إنّكم لستم القطب الأوحد المهيمن"، والمثال على هذا ربما ما يفعله النظام الجديد في مصر. وسيصبح هامش المناورة أمام دول مثل السعودية، وإيران، أكبر، ويفرض على واشنطن الالتفات أكثر لما تريده هذه الأنظمة وتتفاهم معها، خوفاً من تحالفات تكتيكية تقوم بها مع الروس. لكن الروس لن يشكلوا بديلا للأميركيين، اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا. ومثلا، بقدر ما يمكن أن يشكل الروس مصدرا للسلاح والعلاقات التجارية مع السعودية، بقدر ما توجد خلافات على ملفات مثل سورية، كما توجد مصالح عسكرية واقتصادية وثيقة بين الرياض وواشنطن. ولا تؤهل القوة الاقتصادية أو العسكرية الروسية موسكو لتذهب لنجدة أي حليف متوقع، حتى لو كان إيران.
دخول حرب باردة عالمية ليس أمراً سهلا. فحرب من هذا النوّع تعني، مثلا، أنّ على ألمانيا أن تقرر بشأن 6500 شركة ألمانية تعمل في روسيا، وأن تقرر بشأن الغاز الروسي الذي يلبي 40 % من احتياجاتها للطاقة عبر خط أنابيب بين البلدين. ومن الصعب فرض حصار على روسيا، لأنّها عضو في منظمة التجارة العالمية، ما يعمّق صعوبة الحظر التجاري العالمي إزاءها؛ ولأنّ لدى موسكو حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ما يعرقل أي قرارات ضدها هناك. لكن، إذا افترضنا أنّ حظراً يمكن أن يجري هنا أو هناك، فإنّ أهمية نفط الخليج العربي وغازه ستزداد عالميا، باعتباره بديلا عن النفط الروسي (روسيا هي أكبر منتج للنفط في العالم، بنسبة 13.28 % من الإنتاج العالمي، تليها السعودية بنسبة 12.65 %، وإن كانت ثاني أكبر مُصّدر عالميا).
ستختلط الكثير من الأوراق، وستزداد أهمية الأنظمة الإقليمية الفرعية، وقدرة الدول في كل إقليم عالمي على المناورة أمام واشنطن. وربما يزداد وزن النفط العربي السياسي عالميا. كما أنّ العلاقات التجارية الروسية-العربية يمكن أن تتطور، لو فُرض حظر ما على الروس. لكن هذا قد يتبعه محاولات أميركية؛ سواء لإرضاء الدول الإقليمية الكبرى، كأن يصبح الأميركيون في وضع يحتاج تفاهما أكبر مع السعودية بشأن إيران ومصر، أو للضغط عليها ومساومتها بشأن العلاقة مع الروس. ويمكن أن نشهد تحالفا إيرانيا-روسيا، كما يمكن أن نجد إغراءات أميركية لطهران لإبعادها عن مثل هذا التحالف. وهناك الكثير من التفاصيل الأصغر، من مثل أنه مع فرض قيود على رجال الأعمال الروس، فإنه يمكن أن يزيد هؤلاء من توجههم (الكبير أصلا) للعمل والاستثمار في أماكن مثل دبي.
الأكيد أننا أمام مشهد دولي متحوّل.