العرب وإيران بعد عقد على حرب العراق

هي ربما مفارقة، لكنها ليست عصية على الفهم؛ تلك المرتبطة بحضور العراق المركزي في تشكيل العلاقة بين المشرق العربي وبين إيران. فمنذ مجيء الإسلام، لعب العراق دور بوابة العبور العربي نحو إيران، كما لعبت مدنه، لاسيما النجف وكربلاء، دور مراكز مهمة في تشكيل جزء مؤثر من فكرة المذهبية في العالم الإسلامي. وقد استمر هذا الدور عبر مراحل متعددة من التاريخ، حتى وصلنا إلى الفترة المعاصرة؛ حيث تشكلت ما يسمى "الدولة القومية"، وعادت الملكية في إيران، كما ظهرت الجمهورية في العراق. اضافة اعلان
لكن ذلك لم يستطع أن يوقف آثار الجغرافيا السياسية والتاريخ على علاقة البلدين؛ إيران والعراق، والتي هي بدورها ألقت بظلالها على علاقة المشرق العربي مع إيران الدولة.
ولم يكن عصر الجمهورية الإسلامية الإيرانية أفضل. فالحرب ببن العراق وإيران، وعودة الخطاب الطائفي المذهبي إلى المنطقة، كلها عوامل حددت مسار العلاقات ليس بين العراق وإيران فحسب، بل وبين العرب وإيران. وبقي العراق نقطة ارتكاز في التطورات التي تبعت ذلك، ابتداء من حرب الخليج الثانية العام 1991، وانتهاء بحرب العام 2003.
الآن، وبعد عشر سنوات على انهيار البعث وانهيار الدولة العراقية، يبدو واضحا أن مسار الأزمة وانعدام الثقة هو الحاضر في تطور العلاقات بين الطرفين العربي والإيراني. فالعراق تحول إلى بؤرة صراع حقيقي بين إيران والعرب، وبين إيران والولايات المتحدة التي حظيت بدعم إيراني في حربها على العراق في العام 2003.
وانعدام الثقة هذا مرده أن إيران فازت في الجولة الماضية من المواجهة، محاولة أن تبني على ذلك لدى قطاع من الرأي العام العربي صورتها كدولة ثورية معادية للغرب وإسرائيل. لكن حقيقة الأوضاع كانت تقول شيئا آخر، لم يرد رصده ولا حتى القبول به، ألا وهو أن ايران منذ الحرب على العراق العام 2003 قد ظهرت بصورة مذهبية في سياستها الخارجية. وهي سياسة لم تتوقف في العراق، بل امتدت إلى لبنان وسورية ما قبل الثورة. وعزز من التغير التدريجي في الصورة نحو السلبية، الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2009، ومستوى العنف الذي استخدم ضد المعترضين على نتائج تلك الانتخابات. وهذا التغيير التدريجي في صورة إيران، تطور ليعطيه ما يسمى الربيع العربي دفعة جديدة، وليعيد إلى الاذهان أن الرأي العام مرجعية مهمة لا يمكن إهمالها في المجتمعات الحية.
بعد عقد من الزمن، ما يزال العراق يمثل محطة بارزة في مسار العلاقات بين العرب وإيران، تشكيل عناوينها متشعب ومرتبط بالدين والسياسة والعامل الخارجي، وعلاقتها مع كل من العراق وإيران. ومع تطورات ما يسمى الربيع العربي، فإن العلاقات تأخذ بعدا مرتبطا بهذا التحالف الذي ظهر بين إيران والعراق، وأضيفت له سورية.
اليوم، وبعد هذا العقد، عادت إيران في علاقتها مع المشرق العربي إلى المربع الأول في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، فأكدت شكوك من اعتبروا دائما إيران في سياستها الخارجية متأثرة بالمذهب قبل السياسة. ولأن العراق كان فاتحة التأكيد على كل هذه الشكوك، فإن نتائج الحراك السياسي الذي يحدث فيه  ستكون لها انعكاساتها على شكل العلاقة بين إيران والمشرق العربي. وإذا ما أضفنا إلى ذلك النتائج التي سيتركها التغيير السياسي المحتمل في سورية، فإن فصلا جديدا للعلاقة سيُفتح؛ لن تكون فيه هذه العلاقة بعيدة عن العقود الثلاثة الماضية، وما خلفته من تركة.

[email protected]