العرب والاتفاق النووي الإيراني

 حين وقّع الغرب، أو دول مجموعة "5+1"، اتفاق الإطار مع ايران، في لوزان، بشأن برنامجها النووي، في نيسان (أبريل) الماضي؛ وهو الاتفاق الذي أفضى الى الاتفاق النووي الشامل، الذي وقٌعه الطرفان هذا الشهر في جنيف، كتب أحد المعلقين العرب أنه يبدو أن العرب هم أقل الناس عناية بتفاصيل الاتفاق وعناصره الفنية والتقنية.اضافة اعلان
الأمر يتكرر مع توقيع اتفاق جنيف؛ فالعرب تطغى عليهم المخاوف السياسية. إنهم غير معنيين بما فعل هذا الاتفاق لكي يحد من امتلاك إيران سلاحا نوويا، ومن ثم، تحولها إلى قوة ردع، ولا بأي شكل نووي ستخرج إيران من هذا الاتفاق. العرب غير معنيين بمصير إيران النووية، بل هم قلقون من أن هذا الاتفاق، بحد ذاته، وإن كان سيكبح رغبة إيران في امتلاك سلاح نووي، سيُنتج إيران أقوى، بعد أن أنهكتها سياسة العقوبات.
العرب، بصراحة شديدة، لا يريدون رفع العقوبات عن إيران. وقد ذهب بعض مثقفيهم الى مواقف لاأخلاقية في هذا المجال، حين لم يبالوا بالعقوبات التي تؤذي الشعب، ولا يتأذى منها النظام، تماماً، كما فعل الحصار الدولي على العراق في التسعينيات، إذ طحن الشعب العراقي ودمّر كل إمكاناته، وهو -بكل تأكيد- أحد أسباب ما يعيشه العراق اليوم من خراب.
العرب قلقون من أن إيران، التي حقّقت نفوذا غير مسبوق في المنطقة وهي تحت العقوبات، ستعود أقوى مع رفع العقوبات، وستتعزز طموحاتها الإمبراطورية، وهم يخوضون معها ما يشبه حرب وجود. والعرب قلقون من أن هذا الاتفاق هو مؤشر لدبلوماسية غربية، وأميركية، جديدة مع إيران، في ظل تحول نسقي (Systematic) في السياسة الخارجية الأميركية، واحد من مؤشراته هو التحول التاريخي في علاقة الولايات المتحدة بكوبا؛ وأن هذا التحول يأتي في سياق شكوى يكررها الرئيس باراك أوباما، سرا وجهرا، من العرب، الذين -وفق الرؤية الأميركية- قادت سياساتُهم إلى الأزمة العميقة التي تعيشها المنطقة، وهم -في مقابل هذا- ينتظرون مبادرة من أميركا لمواجهة هذه الأزمة، و"داعش" واحد من تمظهراتها، ولا يقدمون أي مبادرة جادة.
وبكل تأكيد، ثمة نقد وتبرم أميركيان من سياسات الدول العربية، ولا سيما الخليجية، ولكن هذا النقد لا علاقة له بالاتفاق مع إيران على برنامجها النووي. وبكلمة: الاتفاق مع إيران ليس نكاية بالعرب. الملفان منفصلان، وليسا متداخلين، بكل تأكيد.
العرب، إذن، غير قلقين من الاتفاق النووي بحد ذاته، بل من الكنايات السياسية التي يعنيها الاتفاق. وتحديدا، هم قلقون من رفع العقوبات، ومن أن تكون علاقة الغرب بإيران على حسابهم.
الولايات المتحدة تعتقد، على نحو ما قال وزير الخارجية جون كيري بوضوح، أن المفاوضات العسيرة والطويلة مع إيران هي وحدها ما منعها من أن تتحول إلى قوة نووية، ولولا الاتفاق الأخير لكان وضع المنطقة اليوم مختلفا بالكامل. بل إن هذا الاتفاق لم يمنع إيران فقط من امتلاك سلاح نووي، فعلى القدر نفسه من الأهمية، سيمنع هذا الاتفاق نشوب سباق تسلح نووي في منطقة هي واحدة من أكثر مناطق العالم تأزما وخطرا. ويبدو أن هذا كان هاجسا أميركيا عميقا.
غير أن الأكثر أهمية، في تصوري، أن هذا الاتفاق هو، بالفعل، تعبير عن دبلوماسية جديدة يقودها أوباما تجاه إيران. ولكن هذه الدبلوماسية ليست تقاربا بين الغرب وإيران. إن فلسفة هذه الدبلوماسية هي تحويل إيران إلى فاعل إيجابي في ملفات المنطقة.
هذه الدبلوماسية هي نتاج سياسة العقوبات، التي تعدها الدوائر السياسية الغربية أول قصة عقوبات ناجحة، أو من أنجح قصص العقوبات، ذلك أنها فتحت مسارا سياسيا جديدا. ولذلك، لا يبدو الغرب مستعداً لأن يفرط بقصة النجاح هذه، وما فتحته من مسار سياسي، ليعود ويتعامل مع إيران بوصفها عدوا دائماً.
وفي الحصيلة، العرب ليسوا بحاجة لفهم السياق السياسي المعقد للاتفاق النووي الايراني فقط، بل كذلك هم بحاجة لبناء رؤية واضحة ومتماسكة عن علاقتهم بإيران؛ رؤية سياسة ومصالح، بعيدا عن الإرث الإيديولوجي الحاف بهم، الذي يدفعهم، أو يدفع قسما منهم دائماً، إلى النظر إلى أي تطور في علاقتهم مع إيران هو نقطة متجددة في صراع تأريخي أزلي، لا يقبل بأن ينتهي أو يُسوّى بسلام.