العزوف أخطر من المقاطعة

تواجه الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات تحديا غير مسبوق. فللمرة الأولى منذ عقود، تلغى جداول الناخبين القائمة، ويدعى المواطنون للتسجيل من جديد، وكأنهم لم ينتخبوا من قبل.اضافة اعلان
لم يكن بالإمكان تجنب هذا الخيار على ما فيه من مجازفة، لأن جداول الناخبين السابقة مليئة بالثغرات والتجاوزات، ولا يمكن بأي حال إجراء انتخابات نزيهة على أساسها.
إقناع ثلاثة ملايين وستمائة ألف ناخب بالتسجيل واستلام البطاقات الانتخابية عملية معقدة وفي غاية الصعوبة، ليس لضيق الوقت المتاح فقط، وإنما لعوامل أخرى أكثر أهمية.
ما يحد من إقبال المواطنين على التسجيل هو غياب الثقة بالعملية الانتخابية، جراء عمليات التزوير التي شهدتها الانتخابات السابقة، وانتشار ظاهرة شراء الأصوات. وقد أشار رئيس الهيئة المستقلة عبد الإله الخطيب، إلى ذلك صراحة أول من أمس.
رغم مرور أسبوع تقريبا على بدء التسجيل للانتخابات، إلا أنني لم أصدف سوى أشخاص قليلين استلموا بطاقاتهم الانتخابية. وتعمدت سؤال أشخاص عديدين إن كانوا ينوون التسجيل، فكانت إجابة الغالبية منهم بالنفي، لقناعتهم بعدم نزاهة الانتخابات.
الوزن الانتخابي الأكبر يتركز في عمان والزرقاء وإربد. والمؤشرات الأولية عن العاصمة تحديدا تشير إلى تدني نسبة التسجيل مقارنة مع المحافظات والتجمعات العشائرية التي تحوز على حصص قليلة من الأصوات، يمكن حشدها للتسجيل بالاعتماد على الروابط العائلية والاجتماعية، بينما الحال مختلفة في مدن مثل عمان والزرقاء، التي تحتاج إلى وسائل مبتكرة للتحفيز على المشاركة.
أعتقد أن إنجاز المهمة أكبر من قدرة الهيئة المستقلة مهما امتلكت من إرادة؛ فهي تتطلب روافع مجتمعية من أصحاب المصلحة في الانتخابات، ومزاجا شعبيا مقتنعا بأن المجلس الجديد سيحمل معه تغييرا في حياة الناس.
لكن، لا هذا متوافر ولا ذلك سائد. فقوى المجتمع المدني، من أحزاب ونقابات وهيئات، إما مقاطعة أو مترددة ولم تحسم أمرها بعد. والمزاج الشعبي العام في أسوأ حالاته؛ إذ يسود شعور عام بأن المجلس المقبل لن يختلف عن المجلس الحالي، ما دام اختيار أغلبية النواب يتم وفق نظام الصوت الواحد.
المقاطعة لا تشكل التحدي الوحيد للانتخابات؛ هناك حالة من العزوف عن المشاركة، ناجمة في الأساس عن خيبة أمل في فرص التغيير والإصلاح. ومرد ذلك كله الإدارة السيئة لمجمل الملفات المتعلقة بعملية الإصلاح، والالتفاف على مطالب الشارع بمكافحة الفساد، وتردي الأوضاع المعيشية، والتضييق على الحريات العامة، والإصرار العجيب على الصوت الواحد في قانون الانتخاب.
لا يمكن لهيئة من بضعة موظفين أن تقوم مقام المجتمع، وتجلب ثلاثة ملايين وستمائة ألف  ناخب إلى صناديق الاقتراع. تحديات وطنية بهذا الحجم تحتاج إلى حالة من التوافق الوطني، كي لا تتحول الانتخابات إلى مجرد عملية ميكانيكية خالية من أي مضمون سياسي ووطني.

[email protected]