العزوف النقابي: أين المشكلة؟

تستند العملية الانتخابية في النقابات المهنية إلى عقود من الممارسة الديمقراطية المتجذرة والنزيهة، والتي تمنح مجالسها شرعية لايجرؤ أحد على الطعن فيها، رغم الجدل المستمر والمشروع حول قوانينها والحاجة لتطويرها لضمان أفضل مستوى ممكن من التمثيل.اضافة اعلان
لكن بالرغم من ذلك تعاني العملية الانتخابية في النقابات من نفس المرض الذي فتك بعمليات انتخابية أكثر شمولا وعموما وأقل شفافية من النقابات وهو داء انخفاض نسب المشاركة.
في انتخابات فروع نقابة المهندسين أكبر نقابات الأردن المهنية التي جرت يوم الجمعة الماضي لم تزد نسبة المشاركة في أكبر فرعي "الزرقاء وأربد" عن 30 % ممن يحق لهم الانتخاب، ناهيك عن غير المسجلين والذين فقدوا حقهم في المشاركة لعدم تسديد الرسوم.
وفي اجتماع مهم  للهيئة العامة لنقابة الأطباء قبل يومين اتخذ قرارات مفصلية برفع سن التقاعد وإلغاء"المبكر" لم يحضر الاجتماع سوى 215 طبيبا واعتمدت التعديلات بأغلبية 79 صوتا فقط، في نقابة يزيد تعدادها عن 25 ألف طبيب.
صحيح أن هناك الآلاف من المهندسين والأطباء يعملون خارج البلاد ولايمكنهم المشاركة في الانتخابات، لكن بالرغم من ذلك تبقى نسب المشاركة متواضعة حتى عند مقارنتها بعدد المسددين لرسوم الانتساب أو من هم في عداد النقابات ويعيشيون داخل المملكة.
وهذه النسب من المشاركة على تدنيها ما كان ليتم تحقيقها لولا عملية التحشيد التي ينفذها نشطاء نقابيون وحزبيون يقفون على طرفي المعادلة الانتخابية التاريخية وهما القائمتان البيضاء والخضراء. ولايتوقف دور"الماكنتين" الانتخابيتين عند حد دفع زملائهم للاقتراع، بل يسبقه بتسديد مايترتب على أعضاء كثر من التزامات مالية متراكمة لنقاباتهم. والحديث هنا عن مئات الآلاف من الدنانير التي يتم جمعها من متبرعين أو تتولى مؤسسات حزبية واهلية مرتبطة بمرجعيات سياسية توفيرها خدمة لمصالحهم السياسية.
والحقيقة أن هناك عشرات الآلاف من المهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم من المهنيين يعانون من البطالة أو يعملون بوظائف لاتوفر لهم الحد الأدنى لحياة كريمة.على سبيل المثال لا يزيد راتب المهندس المتخرج حديثا والملتحق ببرنامج تدريبي عن 120 دينارا! مبلغ كهذا لايكفي لتغطية نفقات التنقل فكيف له ان يدفع رسوم الاشتراك في النقابة وصناديقها؟!
بيد أن مشكلة العزوف عن المشاركة تتعدى هذه المعضلات وتحتاج لدراسة متعمقة، خاصة وأننا بصدد مؤسسات نقابية تمثل العمود الفقري للطبقة الوسطى، ومن بين منتسبيها أصحاب شركات ومكاتب وعيادات تمثل أعمدة الاقتصاد الوطني.
ثمة من يعتقد ان سبب العزوف هو وجود كتلة كبرى من المستقلين المهنيين غير المعنية أصلا بصراعات البيض والخضر وحساباتهم السياسية والفكرية التي تهيمن على العمل النقابي.
ربما يكون ذلك أحد الأسباب، لكنه ليس السبب الرئيسي، فالقائمتان نسجتا تحالفات واسعة مع المستقلين وبالرغم من ذلك لم تشهد نسب المشاركة تحسنا ملحوظا. وفي مواسم انتخابية عديدة خاض المستقلون الانتخابات بقوائم منفردة ولم يحظوا بدعم زملائهم المستقلين.
وليس دقيقا القول إن السياسي يطغى على النقابي في نشاط النقابات المهنية؛ هناك برامج مهنية عديدة وحضور مطلبي وخدمي كبير للمجالس النقابية، ومكاسب يتم تحصليها للمنتسبين.
ديمقراطية نزيهة وانتخابات ذات صدقية تربط المصالح بالمواقف السياسية ومع ذلك يعزف الناس عن المشاركة. أين المشكلة إذن؟