العسكرية المصرية

الأسئلة الأكثر شرعية في هذه اللحظة هي: هل استعجل الجيش المصري في عزل الإخوان المسلمين ورئيسهم الذي جاءت به صناديق الاقتراع؟ وهل ما حدث في مصر يوجه ضربة قاسية لأنوية الديمقراطية التي تتشكل في العالم العربي؟ وما حجم الآثام التاريخية التي يتحملها الإخوان المسلمون حينما فوتوا على المصريين فرصة خوض تجربة التغيير من البوابة الديمقراطية؛ بالقبول بانتخابات مبكرة، والقبول بتعديل منظومة التشريعات السياسية بدون تدخل عسكري؟اضافة اعلان
الجميع مسؤول عن آثام الماضي القريب وآثام الحاضر. كان من المفترض أن تُترك الحركة الشعبية السلمية المطالبة بالتغيير لكي تنضج أكثر؛ وربما هذا ما احتاجه الرئيس المتواضع في كل شيء؛ في قدراته السياسية والمعرفية والشخصية، حتى تصله الرسالة، أي القليل من الوقت لكي يصل إلى قناعة بأن لا مجال إلا للتغيير بأدوات ديمقراطية.
على كل الأحوال كان لا بد من التغيير في مصر، فقد وصلت الأمور إلى نقطة صعبة. ولكن المشكلة هي في طريقة التغيير، ونمط الاستعجال الذي فوّت على الجماعة الوطنية المصرية فرصة حماية النموذج الديمقراطي، وصيانة قدرته من الداخل على توليد أدوات التغيير.
لقد حافظت العسكرية المصرية على الإمساك بلحظات الحسم التاريخي على مدى عقود طويلة من تاريخ مصر الحديث. وفي كل مرة، كان هذا الجيش يثبت أنه موئل الوطنية المصرية وملهمها؛ هذه الوطنية الملهمة اليوم للعشرات من شعوب العالم، والتي استطاعات أن تُخرج أكبر ثورتين في القرن الجديد، في أقل من عامين ونصف العام.
العسكرية المصرية اليوم أمام اختبار من نوع آخر لهذه الوطنية؛ بقدرتها على استعادة الديمقراطية، وأن تتحول مهمتها الحقيقية إلى حماية الديمقراطية وضمانها. وهو ما ستحسمه الأيام المقبلة بالقدرة على اختزال المرحلة الانتقالية واختصارها، ومنع أي محاولة للإقصاء السياسي، أو تقييد حريات الأشخاص والتنظيمات ووسائل الإعلام. والمقصود هنا منع أي إقصاء للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بشكل عام، بل دفعهم بكل الوسائل لكي يكونوا شركاء فعليين في العملية الانتقالية، وإن استطاعوا فليستعيدوا السلطة مرة أخرى إذا رغب فيهم المصريون، من خلال صناديق الاقتراع.
حملات الاعتقال لقيادات ورموز سياسية، والتضييق على الحريات الإعلامية، وإغلاق محطات تلفزيونية؛ كل ذلك يصب في موجات الإقصاء التي تهدد السلم الأهلي، وتروّج حاليا لخطاب جديد من الكراهية لم تعرفه مصر. فخروج جماعة سياسية بحجم الإخوان المسلمين، بكل ما تمثله من حضور سياسي، وبكل ما لديها من قواعد اجتماعية، سيولّد ردود فعل على المديين القريب والبعيد، تهدد بإجهاض العملية الديمقراطية. ومن يلتقط اللحظة التاريخية اليوم ويستوعبها، بالالتزام بقواعد الديمقراطية، هو من يضمن المستقبل. إذ إن إدماج "الإخوان" سيدفعهم إلى المراجعة التاريخية لخطابهم وممارساتهم، ما يعجل بالثورة الحقيقية التي ننتظرها جميعنا، وستحسمها مصر قبل غيرها؛ وهي الإصلاح الديني، وحسم مسألة العلاقة بين الدين والسياسة، وإيصال خطاب الإصلاح السياسي إلى المجتمع، أي دمقرطة المجتمعات.
الجيش المصري يستحق التحية دوما، منذ أن استحق تحية كل المصريين في ثورة عرابي الأولى باستعادة كرامتهم الوطنية؛ واستحق تحية كل العرب في ثورة جمال عبدالناصر ورفاقه، ونال تحية العالم في ثورة 25 كانون الثاني الشعبية، حينما أذهل العالم بقدرته على الحياد وحماية الثورة. واليوم، تنتظر العسكرية المصرية تحية التاريخ إذا ما استطاعت حماية مسار استعادة الديمقراطية بأدوات ديمقراطية وبدون إقصاء، وعجّلت من لحظة قدوم الثورات الفاصلة التي ننتظرها منذ قرون طويلة.

[email protected]