العقبة: العاصمة الاقتصادية الجديدة

د. رعد محمود التل

عمان-تدخل مدينة العقبة مرحلة جديدة بعد زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني الأخيرة لها واطلاعه على مخرجات خطة استراتيجية العقبة للأعوام الخمسة المقبلة، وتأكيده ضرورة العمل لتصبح العقبة نموذجا في الإدارة الحديثة. محاور هذه الخطة التي ركزت بأبعادها على القطاعات الاقتصادية الضرورية ذات الميزة التنافسية العالية لمدينة العقبة كالسياحة والبيئة والاستثمار والقطاع الصناعي واللوجستي والبنية التحية، ستعمل اذا ما تم تنفيذها بكفاءة وفعالية، على تحفيز وتحريك البعد الاقتصادي في المدنية والذي بدوره سيسهم ايجابيا في تعزيز جوانب التنمية المختلفة لمدينة العقبة وسينعكس إيجابيا في مستوى الاقتصاد الكلي الاردني!اضافة اعلان
قد تبدو مدينة العقبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إحدى "الفرصة الاقتصادية" المهمة والسانحة والتي قد تشكل طوق نجاة للاقتصاد الاردني ككل أو أقلها المساهمة بدفع عجلة النمو الاقتصادي وزيادة معدلاته! فأكثر ما يحتاجه الاقتصاد الاردني اليوم هو مجموعة من المشاريع الاستثمارية الضخمة لتشكل دفعة اقتصادية كبيرة للاقتصاد الأردني، تزيد من خلالها من قيمة الأصول وتخلق فرص عمل وتدفقاً مالياً كبيراً لتحريك الاقتصاد!
ذلك ينسجم بصورة مباشرة مع نظريات التنمية الاقتصادية كنظرية الدفعة الكبرى (Big Push Theory) إحدى أهم نظريات التنمية الاقتصادية للدول النامية، وينسجم مع تجارب كثيرة عملية وعلى أرض الواقع طبقتها دول مجاورة! فأكثر ما تحتاجه إقتصاديات الدول النامية اليوم هو " استثمارات ضخمة مستمرة " تمكنها من البدء بعملية التنمية، والتي من الصعب جداً أن تبدأ بواسطة "استثمارات متقطعة" في هذا القطاع أو ذاك! والتي لن ينتج عنها إلا المزيد من التبذير وتبديد الموارد! ما يعني أن هناك حداً أدنى من الإنفاق الاستثماري كي تبدأ عملية التنمية الحقيقية والمستدامة!
ما يحدث اليوم بمدينة العقبة يتقاطع بصورة مباشرة مع الفكره أعلاه بتوجيه ومتابعة ملكية حثيثة. فالمشاريع التي تندرج تحت الخطة استراتيجية العقبة للأعوام الخمسة المقبلة اذا ما تم تنفيذها وأصبحت واقعاً، ستشكل إضافة نوعية وحيوية في القطاعات السياحية والصناعية والتعليمية والتكنولوجية، ليس للمدينة فحسب وإنما على الاردن بشكل عام! فالتركيز على ميزة المدينة سياحياً من خلال تطوير منظومة النقل في العقبة وربطها بوادي رم والبتراء سيعمل على تحويل المدينة لنقطة جذب سياحية عالمية اذا ما تم الترويج لها بعناية وتقديمها للسائح ببرامج محددة تشمل الاقامة والتنقل والنشاطات السياحية والترفيهية بأسعار وكلف منافسة وبصورة تسهل من حركة الركاب والبضائع! ذلك بلا شك، سيدفع مباشرة باتجاه تعزيز الطلب الكلي في الاقتصاد الذي يعاني منذ سنوات!
على صعيد قطاعات التعليم والصحة والبنية التحيتة يندرج أيضاً ضمن الخطة الخمسية للعقبة مجموعة من المشاريع التي ستزيد من فرص جعل مدينة العقبة نقطة جذب سياحي على مستوى الاقليم والعالم وتحولها لمدينة ذكية جاذبة للاستثمار، كإنشاء جامعة طبية وكليات عالمية تدرس السياحة والخدمات وفرع لمركز الحسين للسرطان ومراكز تسوق ضخمة، بالاضافة لمشروع الناقل الوطني للمياه "العقبة-عمان"، وهو مشروع وطني استراتيجي عملاق ليس فقط من خلال ما سيقدمه بمعادلة الأمن المائي الاردني المهمة وإنما بما يعكسه أيضاً بجوانبه الاقتصادية من خلال القيمة المضافة الاقتصادية العالية التي سيضيفها للاقتصاد.
الاتفاقيات الخمس التي تم توقيعها مؤخراً ما بين مجموعة موانىء أبوظبي وشركة تطوير العقبة هدفت لإحداث نقلة نوعية في قطاعات السياحة والنقل والبنى التحتية للخدمات اللوجستية والرقمية في مدينة العقبة، من خلال توسعة المرافق البحرية والجوية والبرية المتاحة للمسافرين والشركات وتحديثها بما سيجعل العقبة مركزا إقليميا، حيث تتعلق الاتفاقيات الخمس بتطوير منطقة مرسى زايد ومحطة السفن السياحية ونظام رقمي متقدم لمنظومة الموانئ وتطوير وتحديث ميناء متعدد الأغراض وتحديث وتطوير مطار الملك حسين الدولي في المدينة.
فإتفاقية تطوير مرسى زايد تهدف إلى تطوير مساحة 1.2 مليون متر مربع ضمن المرحلة الأولى من تطوير منطقة مرسى زايد البالغة مساحتها الإجمالية 3.2 مليون متر مربع والتي تشمل محطة للسفن السياحية والمرافق السياحية والترفيهية والسكنية وغيرها من المشاريع التي ستسهم في تعزيز جاذبية مدينة العقبة كوجهة رئيسية على البحر الأحمر.كما سيتم العمل على تطوير وإدارة محطة السفن السياحية للرحلات البحرية في المدينة لتكون بمثابة بوابة للمسافرين الذين يزورون البحر الأحمر.
فيما يتعلق بالبنية التحتية الرقمية، نصت الاتفاقية على تأسيس مشروع مشترك متمثل في "مقطع آيلة" لتطوير وتشغيل نظام رقمي لمنظومة الموانئ وسيعمل النظام الرقمي على تسهيل التواصل بين كافة مشغلي الميناء ومحطة الحاويات وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة حيث يتوقع تنفيذ أكثر من مليوني معاملة رقمية سنوياً تحقق وفورات مالية وتقلص وقت الإنجاز لأصحاب العلاقة والمتعاملين إضافة إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية وتسهيل الخدمات.
بالنسبة للبنية التحتية للمدينة، جرى الاتفاق على تطوير وتحديث ميناء متعدد الأغراض من خلال بنى تحتية عالية المستوى تشمل البضائع المدحرجة والعامة بالإضافة إلى مناولة شحنات الحبوب الغذائية والمواشي. هذا بالاضافة الى تطوير مطار الملك حسين الدولي في مدينة العقبة بهدف تمكينه من تعزيز طاقته الاستيعابية واستقبال عدد أكبر من الرحلات الجوية السياحية الدولية والمحلية ما يضمن رحلات ميسرة للمسافرين الراغبين بالتنقل بين محطة السفن السياحية والمطار مع توفير خدمات لوجستية جوية متطورة وتعزيز شبكة الربط الجوي لمدينة العقبة.
الفرصة اليوم سانحة أكثر من أي وقت مضى لأن تكون العقبة عاصمة اقتصادية جديدة ومركزاً إقليمياً في الشرق الاوسط، فهي مؤهلة بحكم موقعها وميزتها التنافسية لأن تكون نقطة جذب استثمارية وقبلة سياحية على مستوى الاقليم والعالم، بدعم كبير مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني وولي العهد سمو الامير حسين، كل ذلك سينعكس بصورة مباشرة في مستوى الاقتصاد الاردني من خلال زيادة الانتاج وتحسن الايرادات العامة ورفع معدلات النمو وخلق المزيد من فرص العمل لتسهم في حل إشكاليات الاقتصاد الاردني!