العقد الاجتماعي الجديد

يستطيع أي مواطن ومواطنة اللجوء إلى غوغل للاطلاع على نظرية "العقد الاجتماعي" ومعرفة جذورها التاريخية، وما قيلَ فيها منذ أرسطو وأفلاطون، ومروراً بتوماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو. ولكنَّ العقد الاجتماعيّ الجديد الذي أعلنت الحديثَ عنه الحكومةُ الجديدة له معانٍ محدَّدةٌ تحتاجُ إلى نقاشٍ مجتمعيٍّ حتى تتَّضحَ أركانه، وتتبلورَ مفاهيمه. فقد كثرَ في الأعوام الأخيرة الحديثُ عن مواثيق شرفٍ وعن مدوّنات سلوكٍ وأعرافٍ تؤسِّسُ لأخلاقِ مهنةٍ من المهن، مع بيانٍ لحدود الحقوق والواجبات بين السلطة أو صاحب/ة المهنة وبين المنتفع/ة منها. وما هذه المواثيق والمدونات إلا شكلاً من أشكال العقد الاجتماعيّ القائم على عنصرين هما: الأخلاق والسياسة.اضافة اعلان
ولا أظنُّ أن هناك عدم جدّية فيما يتّصلُ بهذا الطرح الذي يُقدَّمُ لأوَّلِ مرةٍ في المملكة على مستوىً رسميٍّ؛ حيثُ بلغتِ الروحُ الحناجرَ، وما من سبيلٍ إلا إلى مراجعةٍ جذريّة تتخطّى المخاوفَ القديمة القائمةَ على الحذرِ من الشعبِ، وافتتانه بموضوع الحريات والديمقراطيّة. ومع ذلكَ، فإنَّ الوفاء بإنجاز هذا العقد لن يتمَّ، إلا بعد نقاشٍ مجتمعيٍّ معمَّقٍ يقوده أهلُ الفكر قبل الساسة، وتنخرطُ فيه النُّخَبُ وشرائحُ الشعب وسائرُ المهن، وينتهي باتفاقٍ على مبادئ عريضة ومراجعاتٍ تتبناها مؤسّساتُ الحكم ومؤسّسات المجتمع الأهليّ، وتولجها في قوانينها وفي أنظمتها الداخليّة. إذ لا بدَّ من تحديدٍ جديدٍ، في ضوء معطَياتٍ جديدة معلومة للجميع، لصلاحيات السلطة التنفيذية وواجباتها، وواجبات الشعب وحقوقه. كما لا بدَّ من حماية المال العام وتحديد الصلاحيات العامة بقوانين وإجراءات تجعل من الفساد المالي والإداريّ عسيرَيْ المنال.
وعليه، فإنَّ الوقتَ باتَ مُلِحّاً للبدء بهذه الخطوة على شكلِ دعوةٍ من الحكومة للجامعات ومؤسَّسات الفكر والثقافة والبحوث والكُتّاب والإعلام إلى مؤتمرٍ عامٍّ يتمُّ فيه تدارسُ حيثيات هذا العقد، على مدى شهورٍ ستة، تنتهي إلى صيغةٍ وطنيّة ترأبُ صدعاً عميقاً من الثقة، وتجعلُ العبور من الأزمات الحاليّة ممكناً.
وعلى ذلك نؤسّسُ الأمل!