العقل الإسلامي الشعبي و"ناسا"

في سعيه إلى "إثبات" صحّة الدين الإسلامي، والشواهد والآيات الواردة في القرآن الكريم، وتلك التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام، يلجأ العقل الإسلامي الشعبي إلى الكذب والتزوير، و"اختلاق الإثباتات" التي يمكن أن تدلل أو تؤكد صحّة الدين ككل في النهاية.اضافة اعلان
هذا العقل الشقيّ، يلجأ دائما إلى "الغرب الكافر"، ويستعين به لبرهان الحقائق الإسلامية؛ على أساس أن ذلك الغرب ليس صاحب مصلحة في إثبات أي شيء، ومن باب أن نظرية المؤامرة القائلة إن هناك "حربا مقدسة يخوضها الغرب ضد الدين الإسلامي"، ستعطي مصداقية أكبر لأي مقولة منسوبة إليه.
آخر "صرعات" التشبث بهذا "التقليد" الخطير، هو الخبر الذي تداولته صحف ومواقع إلكترونية، وعلى مدى واسع في العالم الإسلامي، والذي يقول إن وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، "أثبتت صحة ما جاء في القرآن الكريم"، وأن "الشمس ستشرق من جهة الغرب قريبًا"، ما يعني أن "يوم القيامة أوشك على القدوم".
الفقرة السابقة تكاد تكون اقتباسا شبه حرفي لما أوردته مواقع عديدة للخبر الذي أحاله من ابتدعه إلى موقع "المسلمون والعالم" الناطق باللغة الإنجليزية. وهو الخبر الذي تم تداوله على نطاق واسع جدا في العالم العربي، ولست متأكدا إن كانت شعوب إسلامية غير ناطقة بالعربية تداولته هي الأخرى.
لو أن أحدا حرص على الحقيقة، لقام بتصفح الموقع المذكور، ولاكتشف بالتالي زيف وكذب هذا الخبر، الذي لا يضيف إلى الدين الإسلامي ولا إلى القرآن أي شيء، بل من الممكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية، خصوصا أن هذا النوع من الكذب غير قابل للصمود طويلا.
لكن اللافت في مثل هذه الأخبار المفبركة، أنها تكون موجّهة إلى الشرق المسلم، لا إلى "الغرب الكافر"، وكأنما هي تريد إثبات صحة الدين لأبنائه، ما يدلّل على أن النزعة التشكّكية كامنة فينا؛ نحن الذين يفترض أن نكون مؤمنين، وأننا على استعداد لاختلاق الأخبار وفبركتها وتحويرها وتحريفها، من أجل "خلق" نوع من الاطمئنان الكاذب لدينا ولدى المحيط.
هذا النوع من الوهم و"المخدر"، منتشر اليوم بطريقة مزرية على مواقع إلكترونية عربية عديدة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها، ويأتي على أشكال عديدة: أخبار مفبركة، صور مزورة، وحكايات مختلقة عن معجزات خرافية. وسوف نلاحظ أن مريديه من المخدوعين عديدون، ومن الممكن أن يشكّل هذا المخدر تجارة رابحة لبعض الأطراف في المستقبل القريب، ما دمنا نبحث عن "وهم الاطمئنان" وليس عن الاطمئنان الحقيقي النابع من التسليم بكل ما أخبر به الدين من الغيبيات.
كمؤمنين حقيقيين، لسنا معنيين بأن تقوم "ناسا" أو غيرها بإثبات أي شيء من الحقائق التي أخبر عنها القرآن، فنحن نأخذها كمسلّمات، ونؤمن بها جميعها جملة وتفصيلا. كما أن ذلك لا يضيف إلى ديننا أي قيمة إضافية. لكننا نشفق على أولئك الذين ما يزال الشك ينخر قلوبهم، ويتشبثون بأي وهمٍ لكي يجتازوا مرحلة الشك نحو اليقين.
إنه العقل الإسلامي الشعبي الشقيّ الذي يعيش في لجّة عدم اليقين، ويريد التأكيد لنفسه، أولا، أنه على الطريق السليمة. وكذلك، هو الإعلام غير المهني في العالم الثالث الذي اختط لنفسه نهجا لا يريد فيه أن يخرج من ثوب السرقة والانتحال، وهو غير مستعد لأن يجهد نفسه، ولو قليلا، لكي يتثبت من الحقائق، ويفرز الغث من السمين.