العقل المحدود

في مقالته الموسعة التي نشرها مؤخرا في مجلة aeon الإلكترونية، يبين أستاذ الفلسفة في جامعة وارويك في كوفنتري قاسم قسام، كيف تهتدي العقول المختلفة إلى أفقها، وكيف تحدد أبعادها وطبقة الفكر الذي تنتمي إليه. يأخذ قسام نموذج "أوليفر" ليبني عليه قراءته في نظرية المؤامرة التي تشيع كثيرا، وفي مختلف الموضوعات، فأوليفر "مثل العديد من أصدقائه يعتقد أنه خبير في أحداث 11 سبتمبر. وهو يقضي أوقاته في البحث بالمواقع، حتى أن أبحاثه أقنعته بأن الهجمات على نيويورك وواشنطن العاصمة كانت عملا داخليا، وأن "التفسير الوحيد القابل للتطبيق هو أن عملاء الحكومة قاموا مسبقا بزرع متفجرات". يبين قسام أن مثل هذا الفكر منتشر كثيرا، فهناك نظريات المؤامرة حول انتشار الإيدز، والهبوط على سطح القمر العام 1969، والأجسام الطائرة الغريبة، وغيرها. والغريب أن هذه الأفكار تكشف حقيقة مدهشة عن البشر، وهي أنه مهما كان ذكاؤنا ومعرفتنا، إلا أن هناك من ما يزال يعتقد بالأمور الغريبة لتفسير الأشياء والظواهر. يحيل الباحث الطريقة التي يفكر فيها أوليفر بالمسألة إلى خصائص فكرية معينة لدى هذا الشخص، فأوليفر ليس مجنونا لكن معتقداته حول 11 سبتمبر هي نتيجة لخصائص بنيته الفكرية، وهي بهذا السياق لا يستدل عليها بسؤال: لماذا يعتقد أوليفر ذلك؟ بل بسماته الشخصية، فشرح أسباب إيمانه بهذا الأمر يمنح تفسيرا منطقيا، بينما لكي تكون دقيقا يتوجب عليك أن ترى بنيته الفكرية. باختصار، أوليفر، وفي سياق سلوكه الفكري، يعتقد أن 11 سبتمبر كان عملا داخليا، لأنه "ساذج بطريقة معينة". أو بمعنى آخر لديه ما يسميه علماء النفس الاجتماعي "عقلية المؤامرة". قسام يلجأ إلى الفيلسوفة الأميركية ليندا زاجزبيسكي في كتابها "فضائل العقل"، وحديثها عن "الرذائل الفكرية" تجملها بالإهمال والكسل والاستعلاء والانسداد الفكري والتعصب وعدم الدقة وعدم مراعاة التفاصيل. إن سمات الشخصية الفكرية هي عادات أو أساليب تفكير تساعد على التحقيق الفعال والمسؤول، وهي بهذا السياق فضائل فكرية، في حين أن الرذائل الفكرية هي سمات الشخصية الفكرية التي تعيق التحقيق الفعال والمسؤول. النتيجة التي يصل إليها قسام، هي أن شخصية مثل أوليفر هي شخصية محدودة جدا في تعاملها مع المنطق، وهي من أصعب الشخصيات التي يمكن التعامل معها، فمن المرجح كثيرا أن يتهموك بنفس الرذائل الفكرية التي تكتشفها فيهم. أصحاب عقلية المؤامرة هم من أصحاب العقول المحدودة التي تستسهل القفز إلى النتائج، إذ سوف يعييها كثيرا البحث في الأسباب والنتائج. إليست هذه هي واحدة من مشكلاتنا في العالم العربي اليوم؟اضافة اعلان