العقوبات على روسيا تكشف هشاشة اقتصادات أميركا ودول أوروبا

عواصم - فيما تواصل القوات الروسية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا وتحقق مكاسب على الأرض، تكافح الولايات المتحدة وحلفاؤها خاصة أوروبا مع ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم.اضافة اعلان
فبعد 4 أشهر على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تواجه الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، المتحالفة ضد روسيا، آلاما اقتصادية متزايدة جراء تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها تلك الدول على موسكو، بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير مطول نشرته أول من أمس.
يأتي ذلك في وقت تخوض فيه أوروبا سباقا مع الزمن لتنويع إمداداتها وملء خزاناتها قبل حلول الشتاء تفاديا لنقص تتوقع أن يتفاقم مع زيادة الطلب، خاصة أن سعر الغاز الطبيعي في أوروبا يقترب من أعلى مستوياته التاريخية.
وأجبر خفض روسيا لإمداداتها من الغاز الطبيعي المرافق الأوروبية على استخدام احتياطاتها التي تخصص عادة للاستهلاك خلال ذروة موسم الشتاء حيث أظهرت بيانات من "جمعية البنية التحتية للغاز في أوروبا" انخفاض مستويات التخزين هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ منتصف نيسان (أبريل)، وهو الوقت الذي يبدأ فيه التجار عادة تعبئة المرافق، في واحدة من أحدث العلامات على كيفية تصاعد أزمة الطاقة في المنطقة.
ووسط عدم جدوى حلول القادة الأوروبيين لحل أزمة الطاقة التي عقّدتها العقوبات الغربية، تزداد المخاوف في القارة العجوز من "شتاء كارثي" مما يثير مزيدا من التحركات الاجتماعية قد تنعكس سلبا على موقف الحكومات تجاه حرب أوكرانيا.
وقالت نيويورك تايمز إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تواجه حاليا ارتفاعا حادا في أسعار الطاقة بعد العقوبات على قطاع الطاقة الروسي جراء خفض استيراده، فيما ترفض بعض دول خفض وارداتها من النفط الروسي.
وبينما ترزح موسكو تحت ضغط العقوبات، فإنها على ما يبدو أقل تأثرا بها، بل سجلت زيادة في عائداتها من بيع النفط والغاز، وفقا للصحيفة، التي نقلت عن نائب رئيس "مؤسسة كارنيغي للأبحاث"، أندرو وايس، قوله إن الحقيقة هي أن "اقتصادات الدول الغربية أكثر هشاشة مما تعتقد حكوماتها".
وكان مسؤولون أميركيون تعهدوا بأن النظام المالي الروسي سيتضرر إذا هاجم أوكرانيا، وتفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن في آذار (آمارس) الماضي بأن العقوبات "تسحق الاقتصاد الروسي"، وأن "الروبل يتحول إلى أنقاض".
غير أن عائدات النفط الروسية سجلت أرقاما قياسية مع ارتفاع أسعار النفط الخام، كما أن الروبل، بعد انخفاضه مع بداية العمليات العسكرية في أوكرانيا في شباط (فبراير)، عاد ليسجل أعلى مستوى له منذ 7 سنوات مقابل الدولار هذا الأسبوع.
يذكر أن قلة من المسؤولين في إدارة بايدن أو نظرائهم في أوروبا توقعوا أن تؤدي العقوبات إلى وقف الحرب على الفور، لكنهم لم يتوقعوا، في المقابل، تلك الضغوط الاقتصادية التي يواجهونها الآن.
ففي وقت سابق، قال رئيس المعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية، وليام روجر، إن الولايات المتحدة ومن خلال العقوبات التي فرضتها على روسيا انتهى بها الأمر "بإطلاق رصاصة على قدميها".
أما الخبير الروسي ونائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أندرو فايس، فقال إن جزءا من المشكلة هو أن اقتصادات الدول الغربية أكثر انكشافا مما توقعته حكوماتها.
على الرغم من التأكيدات الأولية بأن العقوبات لن تمس صادرات الطاقة الروسية، فقد حظرت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين استيراد النفط الروسي، وأعلنت دول الاتحاد الأوروبي عن خطط لخفض وارداتها من النفط الروسي بنسبة 90 % هذا العام.
غير أنه نتيجة لهذه الإجراءات جزئيا، ارتفعت أسعار الطاقة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بلغ متوسط سعر البنزين العادي 5 دولارات للغالون في بعض الولايات.
وبحسب الصحيفة، فقد كتبت نائبة كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، إلينا ريباكوفا، على تويتر الأسبوع الماضي: "عاد النظام المالي الروسي إلى العمل كالمعتاد بعد أسابيع قليلة من التدفقات المصرفية الشديدة"، مضيفة أنه ثبتت سذاجة مقولة أولئك الذين اعتقدوا أن "قطع روسيا عن التمويل لأسابيع قليلة على بداية الحرب ستوقف الحرب".
ونقلت الصحيفة الأميركية عن رئيسة مركز تحليل السياسة الأوروبية، ألينا بولياكوفا، قولها: "من المؤكد أن العقوبات لا تردع القوات الروسية عن العملية العسكرية التي تنفذها.. لقد أخطأت معظم الحكومات على نطاق واسع في تقدير وجهات نظر أو نظرة النخبة الروسية للعالم وما يهتم به بوتن".
وفي تطور آخر، تسمح العقوبات وعمليات الحظر ذات الصلة للصين، التي تعد أكبر منافس استراتيجي لأميركا، بشراء كميات هائلة من النفط بأسعار مخفضة للغاية، حيث تسعى روسيا إلى عملاء راغبين في تعويض الإيرادات المفقودة.
إلى ذلك قال مسؤول دفاعي أميركي بارز إن روسيا تحاول دون جدوى اعتراض سبيل الأسلحة الغربية التي تتدفق إلى أوكرانيا بما يشمل أنظمة صواريخ أبعد مدى تأمل كييف أنها ستكون حاسمة في ميدان المعركة.
وقلل المسؤول من شأن التقدم الذي حققته روسيا في أوكرانيا وقال إن انسحاب أوكرانيا من سيفيرودونيتسك سيسمح لقواتها باتخاذ مواقع دفاعية أفضل.
وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه "تراجع القوات المسلحة الأوكرانية من سيفيرودونيتسك يجعلها في وضع يتيح لها الدفاع عن نفسها بشكل أفضل".
من جهة أخرى، قال حاكم إقليمي في أوكرانيا إن كييف تعمل على سحب قواتها من مدينة سيفيرودونيتسك المدمرة بعد أسابيع من القصف والقتال في الشوارع، في خطوة ستمثل نصرا كبيرا لروسيا التي تكثف هجومها في الشرق.
وقال مسؤولون أوكرانيون إن القوات الروسية احتلت بالكامل بلدة تبعد نحو عشرة كيلومترات جنوبا في الوقت الذي اقتربت فيه من السيطرة على آخر المناطق الخاضعة لأوكرانيا في لوجانسك.
وقالت موسكو إن قواتها تطوق نحو ألفي جندي أوكراني في المنطقة.
من جهته، قلل وزير الخارجية الأوكراني من أهمية خسارة بلاده المحتملة لمزيد من الأراضي في دونباس.
وقال دميترو كوليبا في مقابلة مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية "أراد بوتين احتلال دونباس بحلول التاسع من أيار (مايو) وذلك لم يتحقق لغاية الان، فما زلنا نقاتل هناك. الانسحاب من بعض الأراضي لا يعني خسارة الحرب على الإطلاق".
وبشأن إمكانية عقد أي محادثات سلام قريبا، بدا كوليبا متشائما حول احتمال حدوث ذلك.
وتابع قائلا "انتصارنا العسكري وحده هو ما سيقنع روسيا بالانخراط في مفاوضات سلام جادة. السلاح هو من سيؤمن المسار الدبلوماسي".-(وكالات)