العلاقة بين العراق والولايات المتّحدة مهدّدة بالانهيار ويجب إنقاذها

figuur-i
figuur-i

مايكل أوهانلون؛ وسارة علاوي*

  • (معهد بروكينغز) 20/3/2020
اضافة اعلان

يقول مايكل أوهانلون وسارة علاوي إنه مع استلام الحكومة العراقية الجديدة زمام السلطة، ينبغي على الأميركيين والعراقيين على حدّ سواء التحلّي بالشجاعة وإدراك أنّه حتّى لو كانت السنوات والعقود الماضية صعبة، فإنه تعاونهم يظل أفضل بكثير من افتراقهم. نُشرت هذه المقالة بداية في صحيفة "يو أس آي توداي".

  • * *
    هل للولايات المتّحدة والعراق، المترافقان أبداً في حرب مؤسفة تشوبها الأخطاء طوال معظم السنوات السبع عشرة الماضية، مستقبلٌ معاً؟ مع محاولة العراق تأسيس حكومة جديدة، ينصح البرلمان العراقي رسمياً بطرد القوّات الأميركية عقب قتل العقل المدبّر الإيراني قاسم سليماني في أوائل كانون الثاني (يناير). ويمكن أن تتأجّج هذه التوتّرات من جديد بفعل ردّ الولايات المتحدة وحلفائها في صباح 13 آذار (مارس) على الضربات الصاروخية الأخيرة التي أطلقتها ميليشيات مدعومة من إيران على القوّات الأجنبية في العراق، ممّا أسفر عن مقتل أميركيَّين وبريطاني. وعلى مدى نهاية الأسبوع الذي تلا، شُنّت موجة أخرى من الهجمات، مع احتمال بروز المزيد من الردود الأميركية. ولذلك تبدو الشراكة بين البلدين في خطر.
    وسيكون المؤسف أن تنتهي هذه الشراكة. بالنسبة للعراقيين، يظل الحضور الأميركي مفيداً للغاية كثقل موازن لإيران و"داعش". والأميركيون مفيدون أيضاً في السياسات الداخلية العراقية، ولا سيّما في ما يخصّ الانقسامات المذهبية في القوى الأمنية. وقد تكون للأكراد والشيعة والسنّة مواقفُ من الولايات المتحدة، لكنّ قلّة منهم ترى واشنطن على أنّها منحازة ضدهم بشكل متأصّل.
    تحت إدارة الجنرالات بيتريوس وأودييرنو وأوستن وغيرهم، تمّ إصلاح الجيش والشرطة العراقيَّين في فترة الطفرة في العامين 2007-2008، ممّا جعلهما فعّالَين عبر مختلف الخطوط المذهبية والجغرافية. ولم تتمّ إعادة بناء الجيش العراقي الذي اصبح مُستقطَباً ومُقسّماً، والذي غالباً ما تراجَعَ في وجه تقم عمليات "داعش" إلا بعد عودة القوّات الأميركية في العام 2014 التي أتاحت له إعادة إحكام سيطرته على المناطق التي ترسّخ فيها "داعش" في البلاد.
    للولايات المتحدة مصلحة مكتسبة في نجاح العراق
    بالنسبة للولايات المتحدة، هناك أسباب مهمّة أيضاً للمحافظة على هذه العلاقة الوطيدة، ومساعدة العراقيين على الدفاع عن بلادهم. وبات ذلك جليّاً في العام 2014، عندما اضطرّ الرئيس أوباما إلى إعادة إرسال الجنود الأميركيين للتعامل مع تنظيم "داعش" بعد أن احتفل بانسحاب كامل الجنود الأميركيين من العراق في العام 2011. ولولا ذلك، كانت موجات أكبر من اللاجئين ستتدفق إلى أوروبا وما بعد أوروبا، وكانت مراكز إنتاج النفط الكبرى قرب الخليج العربي ستصبح تحت الخطر. وما يزال "داعش" والسلفيون المتصلون به يشكّلون خطراً الآن، حتّى لو لم يعودوا يسيطرون على أراضٍ في العراق.
    كذلك، إذا أراد الأميركيون الحدّ من نفوذ إيران في المنطقة، لا مكان للمباشرة بذلك أفضل من المنطقة المجاورة لها. وعلى الرغم من أنّ معظم العراقيين والإيرانيين من الشيعة، فإن العراقيين شعبٌ أبيٌّ لا يرغب في الخنوع لأحد. لكنّ إيران بارعة للغاية في السياسات الخفيّة وسياسات القوى، ولن يتمكّن العراقيون من المحافظة على استقلالهم الفعليّ إلّا إذا كان لهم أصدقاء آخرون، ونظام سياسيّ عامل أيضاً.
    إذا كانت الولايات المتحدة تفضّل ضمان مصالحها الأساسية في الشرق الأوسط، من تدفّق يُعتمد عليه للنفط والحؤول دون انتشار الأسلحة النووية والقضاء على الإرهاب وحماية الأصدقاء الأساسيين من دون إرسال أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين من جديد إلى المنطقة، فإنّ الحاجة إلى شركاء أقوياء ستكون واضحة.
    للمحافظة على الحضور الأميركي في العراق في المستقبل، من الضروري الوصول إلى وضوح أكبر حيال قواعد الاشتباك بين بغداد وواشنطن. وعلى العراق بذل جهود أكبر للمساعدة على حماية القواعد الأميركية والمصالح الأخرى في البلاد. وعلى الولايات المتّحدة أن تحصر أيّ لجوء أحادي الجانب للقوّة العسكرية في الدفاع عن نفسها من أولئك الذين ربّما يطلقون النار على قوّاتها أو يطاردونهم. ولا ينبغي القيام بأيّ تصرّف آخر، مهما كان مبرّراً (على غرار ما قامت به في 13 آذار/ مارس) إلّا بعد تشاور واتّفاق بين الحكومتَين. من الضروري أيضاً أن تعيد الحكومة العراقية المقبلة وحلف شمال الأطلسي التفكير في أهداف برنامج التدريب المشترك بينهما. وينبغي أن يكون عدمُ نشر وحدات قتالية داخل المدن هدفاً أساسياً. وعوضاً عن ذلك، ينبغي نشرها في المناطق الريفية وفي مواقع تستطيع فيها التعامل مع الاعتداءات الخارجية، سواء جاءت من الجنوب أو الغرب أو الشرق. وينبغي ترك المسائل الداخلية للشرطة الاتّحادية والأجهزة الأمنية المحلّية.
    إجراءات عمليّة لتقوية البلاد
    يمكن التفكير أيضاً في التجنيد الإجباري كطريقة لتخطّي التوتّرات المذهبية وترسيخ شعور قوي بحبّ الوطن لدى الجنود. ويمكن التشجيع على الوحدة من خلال نبذ المذهبية، ولا سيّما عند إجراء تعيينات في مناصب حكومية.
    وتتخطّى بعض الإجراءات موضوع القوى الأمنية. فمثلاً، سيؤدي سن قوانين عادلة ومنصفة بخصوص النفط وتشاطر الدخل بطريقة توزع الأموال بشكل متساوٍ في كامل البلاد إلى تعزيز تلاحم المحافظات العراقيّة كافّة.
    تشكل البطالة العالية مشكلة كبيرة أخرى، والتي كانت سبباً أساسياً في التظاهرات الكثيرة التي ضربت العراق العام الماضي. ويمكن التخفيف من حدّتها بعدد من الطرق. يمكن أن تساعد خصخصة الكيانات التي تملكها الدولة، إذا تم التخصيص بشكل عادل، ولا سيّما إذا سُمح للموظّفين بامتلاك أسهم في مؤسساتهم. وينبغي على الولايات المتحدة والجهات الأخرى أن تبقى مستعدة للمساعدة، بما في ذلك تقديم المساعدات المالية المؤقّتة إذا كان ذلك مفيداً خلال العملية. ولا يمكن أن تكون في العراق جيوش متعدّدة. ينبغي القضاء على الميليشيات. وبالتالي، يمكن ضمّ القادرة على القتال منها في الأجهزة الأمنية المسلّحة، وينبغي حل غير القادرة على ذلك، وإنما ينبغي تقديم تعويضات وفرص عمل لمقاتليها.
    سوف تستفيد الكثير من الخطوات المذكورة أعلاه من المشورة الأميركية وكمّيات محدودة من الدعم التقنيّ والمساعدات. وينبغي على واشنطن أن ترغب في تقديمها وينبغي على بغداد أن ترغب في قبول المساعدة. ومع استلام الحكومة العراقية الجديدة زمام السلطة، ينبغي على الأميركيين والعراقيين على حدّ سواء التحلّي بالشجاعة إدراك أنّه حتّى لو كانت السنوات والعقود الماضية صعبة، فإن تعاونهم يظل أفضل بكثير من افتراقهم.

*مايكل أوهانلون: زميل رفيع في السياسة الخارجية، وأستاذ كرسي سيندي ستاين في معهد بروكينغز.
*سارة علاوي: ابنة نائب الرئيس العراقي السابق إياد علاوي، قائدة حركة الشباب في الحزب الوطني العراقي.