العلويون والأسد.. لماذا تدعم هذه الطائفة النظام

مظاهرة تأييد للرئيس السوري بشار الأسد في وسط مدينة دمشق في وقت سابق من هذا الشهر - (رويترز)
مظاهرة تأييد للرئيس السوري بشار الأسد في وسط مدينة دمشق في وقت سابق من هذا الشهر - (رويترز)

ليون جولدسميث* - (فورين أفيرز) 16/4/2012

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

منذ بداية الانتفاضة في سورية، كان للعلويين في ذلك البلد دور فعال في إدامة قبضة الرئيس بشار الأسد على السلطة. ويشكل العلويون، وهم طائفة من الإسلام الشيعي، ما يقرب من 13 % من السكان، كما يشكلون الجزء الأكبر من الوحدات العسكرية السورية الرئيسية، وأجهزة المخابرات، والميليشيات المتطرفة الموالية للحكومة التي تدعى "الشبيحة". ولكن، وفيما الانتفاضة في سورية تستمر، فإن ثمة دلائل تشير إلى أن بعض العلويين يشرعون في الابتعاد عن النظام، غير أن معظمهم يواصلون الكفاح من أجل الأسد –وهو ما يفسره إلى حد كبير خوفهم من احتمال أن يسعى المجتمع السني إلى الانتقام لفظائع الأسد في الماضي والحاضر، وليس ضده فقط، وإنما ضد كافة العلويين كمجموعة أيضاً. ويتجذر هذا الخوف في الإحساس بالضعف والهشاشة في تاريخ الطائفة نفسه، والذي يغذي ولاء العلويين للنظام.
وكان العلويون قد انشقوا عن الإسلام الشيعي في عراق القرن التاسع بسبب اعتقادهم بقداسة الخليفة الإسلامي الرابع، علي بن أبي طالب، وهو موقف يعتبره السنة هرطقة، ويعتبره الشيعة تطرفاً. وقد بدأ هذا المجتمع كمجموعة صغيرة من المؤمنين، والتي عانت على مدى القرون التالية من التمييز المستمر تقريباً، وتعرضت لمذابح عديدة على أيدي المسلمين السنة. وفي العام 1305، على سبيل المثال، وعلى إثر فتوى أصدرها رجال الدين، قضى المماليك السنة على الطائفة العلوية في كسروان (لبنان الحديث). وفي وقت متأخر من منتصف القرن التاسع عشر، ورداً على تمرد قام به شيخ علوي، اضطهد العثمانيون العلويين بلا رحمة، وقاموا بإحراق قراهم ومزارعهم في مختلف أنحاء الأراضي القليلة التي كانت بحوزتهم.
ولكن، وعلى الرغم من هذا الاضطهاد القائم منذ فترة طويلة، قاتل العلويون من أجل الاندماج في سورية الحديثة. وفي العام 1936، وهو الوقت الذي تراجع فيه الانتداب الفرنسي، أقنع زعماء العلويين الدينيين أتباعهم بالاندماج في الدولة السورية الجديدة التي تقطنها أغلبية ساحقة من السنيين. وعلى مدى العقود العديدة التالية، انتقل العلويون مبتعدين عن الجبال من أجل البحث عن فرص التعليم والعمل في المدن. وفي الأعوام ما بين 1943 و1957، أدت الهجرات العلوية إلى مضاعفة عدد سكان حماة ثلاث مرات، وضاعفت حجم مدينة اللاذقية أربعة أضعاف بين العامين 1957 و1979.
كما انضم العديد من العلويين أيضاً إلى الجيش. وكان العرب السنة يرفضون وظائف الجيش إلى حد كبير منذ أيام العهد العثماني. لكن العلويين رحبوا بفرصة الحصول على دخل مستقر. وبحلول العام 1963، أصبحوا يشكلون 65 % من ضباط الصف في الجيش السوري. وكان ممّا ساعد صعود العلويين في المجتمع السوري خلال كامل عقد الستينيات، احتدام الصراع السياسي الداخلي بين أهل السنة، والانقلاب الذي قام به حزب البعث في العام 1963، والذي وحّد الطبقة العاملة من العلويين والسنة تحت راية واحدة.
وعلى الرغم من أن السنة قبلوا بالنفوذ المتزايد للطائفة العلوية في البداية، فإن استياءهم عاد إلى الظهور على السطح عندما قام حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي المنتمي للطائفة العلوية، بالاستيلاء على السلطة في العام 1970. وعندما اقترح وضع دستور جديد بعد ثلاث سنوات، والذي أقر علمانية الدولة، وسمح بمنح الرئاسة إلى غير المسلمين، احتج مجتمع السنة في جميع أنحاء البلاد. وفي وقت مبكر من العام 1976، عندما كانت التوترات الدينية تشتعل، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين السورية انتفاضتها ضد ما وصفته بأنه نظام علوي "زنديق". وحينها، التف العلويون الذين تحتفظ ذاكرتهم بذكريات الخوف طويل الأمد من رفض واضطهاد الطائفة السنية، حول حافظ الأسد. وقد أعد كل من الطرفين نفسه للمعركة، وعلى مدى السنوات الست التالية، اعتمد الأسد على طائفته في صد تمرد جماعة الإخوان المسلمين.
وفي شهر شباط (فبراير) من العام 1982، بلغ الصراع ذروته في مدينة حماة التي يهيمن عليها السنة. وفي إطار سعيه لوضع حد للتمرد، ارتكب الأسد مذبحة بحق السكان السنة في المدينة، ممّا أسفر عن مقتل ما يصل إلى 20000 نسمة. واتهم العلويون جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن الكارثة، مقتنعين إلى حد كبير بأن السنة سيرفضون دائما ما يبذلونه من جهود للاندماج. وفي أعقاب مجزرة حماة، بقي حتى العلويون الليبراليون الذين كانوا قد انتقدوا عدوانية الأسد في بداية الثورة، معتصمين بالصمت. وكانت تلك المذبحة هي التي حولتهم من موقع الضحايا إلى موضع الجناة.
ومنذ مذبحة حماة في العام 1982، عزز العلويون سيطرتهم على البلاد. ووفقاً للمفكر السوري رضوان زيادة، فإنهم أصبحوا يشكلون الغالبية العظمى من عناصر قوات الأمن والمخابرات وضباط الجيش في سورية، والبالغ عددها ما يقرب من 700000 شخص. وهم يشكلون في واقع الأمر جزءاً كبيراً من الأجهزة الأمنية في البلاد، بحيث يقال إن السوريين يستخدمون اللهجة العلوية في كثير من الأحيان عندما يقوم ضباط المخابرات بالقبض عليهم، أملاً في الحصول على معاملة أفضل.
ومع ذلك، يبقى ولاء العلويين للأسد بالكاد مضموناً. فعلى الرغم من الأفكار الشائعة عن وجود طبقة علوية ثرية وصاحبة امتيازات تسيطر على سورية، فإن النظام الحالي للدولة لا يكاد يقدم فائدة ملموسة تذكر لمعظم المواطنين العلويين. وقد كافح المواطنون العلويون في المناطق الريفية نتيجة للتخفيضات الحكومية في دعم الوقود والقوانين الجديدة التي تحد من بيع التبغ –الذي ظل يشكل محصولهم الرئيسي لعدة قرون. وفي حقيقة الأمر، ومنذ توفير الأسد الأب للخدمات الأساسية في السبعينيات والثمانينيات، لم تتطور معظم القرى العلوية سوى بمقدار ضئيل -باستثناء القرداحة، موطن عائلة الأسد. وفي تلك القرى، بقيت الحمير شكلاً شائعاً لوسائل النقل بالنسبة للكثيرين، وظلت السيارات نادرة، بينما كانت الميكروباصات المتهالكة هي السبيل الوحيد لانتقال الناس إلى أعمالهم في المدن.
الآن، يقوم بعض العلويين بالتخلي عن علاقتهم بالنظام علناً. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، على سبيل المثال، أصدر ثلاثة من أبرز شيوخ العلويين: مهيب نيصافي، وياسين حسين، ومنصور موسى، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه "البراءة من هذه الأعمال الوحشية التي يرتكبها بشار الأسد ومساعدوه، الذين ينتمون إلى كافة الطوائف الدينية". ووفقاً لمنذر ماخوس، وهو عضو علوي في الجماعة المعارضة البارزة "المجلس الوطني السوري"، فإن العلويين ينضمون إلى الاحتجاجات في المدن الساحلية الواقعة في منطقة العلويين. وخلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت أدلة على وجود انشقاقات في صفوف الجنود وضباط الاستخبارات العلويين الذين ينحدرون على ما يبدو من العائلات العلوية الأقل حظاً، والذين أطلقوا على أنفسهم اسم "العلويون الأحرار"، ودعوا العلويين الآخرين للانضمام إليهم.
في واقع الأمر، يعرض سقوط الأسد عدة سيناريوهات محتملة للعلويين. إذ يمكن أن يطلق سقوطه عملية مصالحة شاملة، وأن يدفع بهم للعودة إلى معاقلهم الجبلية في شمال غرب سورية، أو أنه قد يؤدي إلى فتح صراع مع السنة. ومهما كان واقع الحال، فإن العلويين يواجهون معضلة حقيقية: إذا انهار الأسد، فإنه سيترتب على مجتمع العلويين درء الانتقادات التي ستوجه إليهم بسبب دعمهم لهذا النظام طويلاً. وربما يزيد التمسك بالأسد من احتمالات تعرضهم لانتقام سنّي لا يرحم، لكنه يقوم الآن على الأقل بالإبقاء على الصراع الطائفي بعيداً –وسيبقى الأمر كذلك، طالما بقي الأسد.

اضافة اعلان


* باحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة أوتاجو في نيوزيلندا.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Alawites for Assad: Why the Syrian Sect Backs the Regime

[email protected]