العمال والمعارضة في إيران

صورة كبيرة لقادة إيران على جدار أحد المباني - (أرشيفية)
صورة كبيرة لقادة إيران على جدار أحد المباني - (أرشيفية)

علي رضا نادر،* وليلى مهناد*
 (فورين بوليسي) 22/4/2013
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
بينما يستمر اقتصاد إيران في التدهور، يشكل العمال لاعباً رئيسياً يستحق المتابعة هناك، نظراً لقدرتهم على الضغط على الجمهورية الإسلامية من خلال الاحتجاجات والإضرابات. وليست العمالة الإيرانية التي تضم عمالاً غير مهرة من المناطق الريفية وعمالاً حضريين من الطبقة الأدنى مجموعة متجانسة. وهكذا، لم ينضم العمال الإيرانيون حتى الآن إلى الحركة الخضراء المعارضة بأعداد كبيرة. لكن الآلام الاقتصادية التي سببها سوء إدارة النظام الإيراني والفساد والعقوبات الدولية وجهت صفعات خطيرة للأجور والمزايا والأمن الوظيفي-وهو ما يعد مسوغاً كافياً للعمال الإيرانيين للانتظام ومعارضة النظام. ومن الممكن عقد المقارنات بين معاملة الجمهورية الإسلامية لحركة العمال اليوم ومعاملة الشاه للعمال الإيرانيين قبل الإطاحة به، وخصوصا فيما يتصل بإنكار النظام حق التنظيم، وقمع وسحق الاحتجاجات والإضرابات، ورفضه الاستجابة لحقوق العمال.
كانت مشاركة العمال في ثورة العام 1979 قد جاءت نتيجة للحنق الذي طال أمده ومشاعر السخط من جهود الشاه التصنيعية. وكانت ثورة الشاه البيضاء في العام 1963، والتي جلبت إصلاحات زراعية وتصنيعية، وكذلك أسعار النفط الإيراني المرتفعة من العام 1965 إلى العام 1975، قد أجبرت ملايين الإيرانيين على الانتقال من القرى الريفية إلى المدن الرئيسية. وأفضت إعادة الثورة البيضاء خصخصة المُلكية الريفية من أصحاب الأراضي الأثرياء للمزارعين إلى تدن كبير في الإنتاجية الزراعية. ولم تكن المزارع في أيدي المزارعين بمثل الكفاءة التي كانت عليها عندما كانت خاضعة لسطوة النخبة الذكية في قطاع الأعمال التجارية. ونتيجة لذلك، تضاءلت وظائف الزراعة في أواخر الستينيات، ما أجبر المزارعين على التطلع إلى المدن من أجل الفرصة. واحتل العديد من هؤلاء المهاجرين الريفيين وظائف في قطاعات الإنشاءات والمصانع والطاقة.
كما أفضى تحديث الشاه للصناعة أيضاً إلى ظهور سخط عمالي واسع النطاق. فقد عمل ترويجه للاستثمار الأجنبي (في معظمه أميركي) والشركات الخاصة في إيران، بالتزامن مع ثروة نفطية مرتفعة بشكل سريع، على تعظيم جذب العمالة من المناطق الريفية حيث كانت الوظائف تتضاءل. وبينما أفضت الأعوام الأولى من إصلاحات الشاه التصنيعية إلى نمو الوظائف، فقد اختفت هذه الوظائف نتيجة لسياسات الانكماش التي استهدفت تبطيء الإنفاق والنمو. وفي ظل عدم وجود برامج حكومية لإخراجهم من أتون الفقر، خضع الشباب والفقراء وطبقة العمالة غير الماهرة المضطربة إلى ظروف قاسية. وقد خلق الاقتصاد المتدني في إيران، سوية مع ارتقاء النزعة القومية الإيرانية، مكمناً قابلاً لإشعال الجيشان المجتمعي.
يوم 9 كانون الثاني (يناير) من العام 1978، أطلقت القوات الإيرانية النار وقتلت طلبة دراسات دينية في مدينة قم، مما أشعل فتيل مظاهرات عارمة تُوجت بإقفال البازار (السوق) الكبير في طهران يوم 19 كانون الثاني (يناير). ولاحقاً، شارك الملايين من المواطنين الإيرانيين العاديين في احتجاجات جماهيرية، والتي انضم إليها عمال النسيج والصحة وخطوط تجميع السيارات ومصانع الورق في صيف العام 1978. واشتملت الإضرابات الرئيسة على إضراب 37.000 عامل من عمال مصافي النفط الإيرانية والخطوط الجوية الإيرانية، ما شل قطاعي الطاقة والنقل الجوي في البلد. وشكلت مشاركة الحركة العمالية في تلك الاحتجاجات نقطة انعطاف رئيسية في الثورة. وقد ضم أولئك الذين نهضوا ضد الملكية في ذلك الوقت مكوناً حاسماً في الاقتصاد الإيراني.
ولم تكن الجمهورية الإسلامية، التي حلت محل الشاه، أفضل بكثير في معالجة موضوع الحقوق العمالية. وإذا حدث شيء، فهو أن النظام الإيراني الراهن جعل من ظروف العمل في إيران أسوأ مما كانت عليه في زمن الشاه. وحتى الآن، ما يزال العمال غير متمتعين بحق تشكيل نقابات مستقلة، كما قوبلت مطالباتهم بالحق في التنظيم والاحتفاظ بالمزايا بحملات القمع الحكومية العنيفة.
منذ الثورة، ما تزال الجمهورية الإسلامية تضع مراقبة لصيقة على الطبقة العمالية من خلال نقابات مركزة إيديولوجياً ومراقبة حكومية، مثل مجالس العمل الإسلامية وجمعيات ممثلي العمال (للأعمال التي لديها أقل من 35 موظفاً). وبالتالي، فإن مجالس العمال تخضع لإشراف "بيت العمال"، الذي كان في السابق تنظيماً عمالياً علمانياً قبل أن تستولي عليه المجموعات المؤيدة للنظام في أعقاب الثورة. ويجب على كل المجالس أن تتلقى الاعتراف الرسمي من بيت العمال، أو أن تواجه الإقفال. وتبقى المجالس العمالية وكذلك ممثلو جمعيات العمال موالية للزعيم الديني الأعلى آية الله الخامنئي والحاكمين المحافظين في إيران.
لكن المجموعات العمالية التي حظرتها الدولة في إيران، واجهت مداً متصاعداً من السخط لدى العمال الإيرانيين في الأعوام الأخيرة. وكانت السياسات الاقتصادية للرئيس محمود أحمدي نجاد التي تعيقها أقسى العقوبات في التاريخ الإيراني مسؤولة عن القلاقل العمالية إلى حد كبير.
ألحقت سياسات أحمدي نجاد، بما في ذلك خفض الدعم وخصخصة الصناعة المملوكة للقطاع العام، ضرراً كبيراً بالعامل الإيراني الاعتيادي. وما تزال خصخصة الصناعة الإيرانية تنطوي على مشاكل بشكل خاص. وبشكل مثالي، تسمح ممارسة الخصخصة للحكومة بتعويم الأعمال الفاشلة التي تشكل عبئاً على الاقتصاد وترسيتها على أعلى عطاء. وبدلاً من ذلك، أقدم أحمدي نجاد على بيع صناعات حكومية لشركات مقترنة بالحرس الثوري والمؤسسات الخيرية ظاهريا -لكنها مؤسسات غير موثوقة إلى حد كبير.
وقد تُرجمت محاباة إدارة أحمدي نجاد إلى سطوة حكومية أكبر في الصناعة. ونتيجة لذلك، لا توجد منافسة طبيعية في السوق بين الشركات التي يجب أن تقع تحت بند الخصخصة. وهذا الحال يجعل العديد من الشركات الإيرانية غير تنافسية وغير مربحة. ويتمثل الأثر الكلي في خفض الرواتب والتسريح الجمعي للعمال منخفضي المهارة. وما يجعل الأمور أسوأ هو فشل أحمدي نجاد في تمديد شبكات الأمن الاجتماعي. كما أفضت العقوبات بدورها إلى معدلات تضخم عالية جداً، والتي ضغطت على أجور العمال.
وقد أسفر التراجع الاقتصادي عن إضرابات واعتصامات واسعة النطاق. وأصبحت المجموعات العمالية السرية، التي تتفاوت بين سائقي الحافلات وعمال قصب السكر، أعلى صوتاً، وشرعت بتنظيم الاحتجاجات التي تذكّر بالثورة. وقد تمثل أبرز الاحتجاجات في الاعتصام الذي أقيم يوم 22 كانون الثاني (يناير) لعمال مصنع محلي أمام البرلمان الإيراني. ومن جهتهم، نظم عمال النفط الإيرانيون احتجاجات، مثل ذلك الذي نظموه في شباط (فبراير) من العام 2011 في عبدان التي توجد فيها أكبر مصفاة للنفط في إيران. وكان كلا الاحتجاجين قد نظما بسبب عدم دفع الأجور.
وشاركت مجموعات عمالية في مسيرات مختلفة نظمتها الحركة الخضراء بعد الانتخابات الرئاسية المشكوك فيها في العام 2009. لكن الحركة العمالية لم تتبن المعارضة السياسية في إيران. وربما يكون المسوغ هو الافتقار إلى وجود حركة معارضة متماسكة تتوافر على أهداف محددة بوضوح وقابلة للإنجاز. وقد ترك سجن حسين موسوي ومهدي خروبي جماعات المعارضة بلا رافعة إلى حد كبير، وبالتالي غير قادرة على اجتذاب شرائح مهمة من المجتمع مثل الحركة العمالية. وفي الأثناء، تجنبت الأحزاب الإصلاحية بقيادة شخصيات مثل الرئيس السابق محمد خاتمي تحدي النظام جدياً وهي خالية الوفاض من القوة والنفوذ في النظام السياسي.
ورغم أن الحركة العمالية الإيرانية قد تتعاطف مع بعض أهداف المعارضة، مثل إجراء "انتخابات حرة"، فإنها تشعر على كل حال بالإحباط بسبب فشل الحركة الخضراء في مخاطبة قضايا مهمة بالنسبة للعمال الإيرانيين، مثل الأجور العادلة والرعاية الصحية والسلامة في مكان العمل. وأخيراً، فإن التوتر بين النخب الإصلاحية المتعلمة جيداً والطبقة العاملة -والتي يصورها المفكرون الإصلاحيون غالباً على أنها أقل تعليماً- عمل على تهجين بعض السخط بين المجموعتين.
ورغم ذلك، قد يفضي اقتصاد إيران المتراجع إلى قيام قلاقل عمالية أكبر، وإلى دمج الحركة العمالية في المعارضة السياسية. وقال منصور أوسانلو، زعيم نقابة عمال الحافلات في طهران وأحد أبرز القادة العماليين في إيران مؤخراً: "إن الظروف المواتية لتغيير النظام توجد في إيران اليوم". ومن غير الواضح ما إذا ستحدث إعادة للثورة التي أطاحت بالشاه، أو ما إذا كانت الحركة العمالية ستلعب دوراً حاسماً. ومع ذلك، فإن كبت الجمهورية الإسلامية لحقوق العمال والمعالجة البائسة للاقتصاد يمكن أن يفضيا إلى زعزعة أكبر لاستقرار النظام الذي يصبح متعباً بازدياد.

اضافة اعلان


*علي رضا نادر: محلل سياسي رفيع. وليلى مهاناد: مشاركة مشروع غير ربحي وغير حزبي في مؤسسة راند.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Labor and opposition in Iran