العملية الأميركية في العراق قد تصل إلى نهاية محرجة.. وقوة إيران سوف تزداد فحسب

أنجيلا ديوان - (سي. إن. إن) 19/1/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

لم يسحب دونالد ترامب قواته من العراق، على الرغم من تعهده بإنهاء حروب أميركا الطاحنة غير المنتهية. وقد اتضح الآن أنه قد لا يضطر إلى القيام بذلك؛ حيث تواجه الولايات المتحدة الآن إمكانية الطرد من البلد. وسيكون تحقيق ذلك بمثابة فوز كبير لإيران.اضافة اعلان
بدأ المسؤولون في البرلمان العراقي؛ حيث تربط الكتل القوية علاقات غير قابلة للفصم مع طهران، عملية لإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، في رد انتقامي واضح على الولايات المتحدة بعد أن قتلت القائد الإيراني الرفيع، قاسم سليماني، في غارة بطائرة من دون طيار في بغداد قبل بضعة أسابيع.
في أعقاب الضربة الأميركية، تم تعليق العمليات الأميركية-العراقية المشتركة ضد "داعش"، وقال رئيس الوزراء المؤقت للعراق أن انسحاب القوات الأميركية هو السبيل الوحيد "لحماية جميع الموجودين على الأراضي العراقية"، على الرغم من أنه قال بعد ذلك إن البتّ في هذا القرار سوف يُترك للحكومة المقبلة.
لكن الخبراء يقولون إن انسحاباً أميركياً من البلد قد يجلب المزيد من المتاعب. فقد واصل "داعش" شن هجماته في البلد، ومن دون وجود قوات أميركية وقوات أجنبية أخرى، سيكون لدى المجموعة مجال أكبر لإعادة الانبعاث. وفي الوقت نفسه، سوف تكون إيران قادرة على توسيع نطاق سلطاتها الواسعة مسبقاً في بغداد.
تنافست طهران وواشنطن على النفوذ في العراق منذ الغزو الأميركي للبلد في العام 2003، وتكسب إيران مسبقاً في تلك المعركة. وقد سمحت استراتيجيتها الثابتة والمتماسكة، التي تفتقر الولايات المتحدة إلى نظيرة لا، لطهران بأن تندمج تدريجياً في نسيج الحياة اليومية في العراق.
وكانت إيران قد استفادت من سنوات الحرب والاحتلال لتشكيل مجموعات من الميليشيات التي أصبحت الآن فصائل رسمية في الجيش العراقي، بينما توفر، على الصعيد الاقتصادي، كمية هائلة من الصادرات التي أصبح العراقيون يعتمدون عليها. كما أنها صنعت نواباً لها يقومون مقامها من كبار مسؤولي الحكومة العراقية وأعضاء البرلمان.
بسبب هذه الروابط، لم يكن قرار البرلمان العراقي الاصطفاف إلى جانب إيران بعد الهجوم على سليماني مفاجئاً. ويبدو أن الضربة الأميركية قد أتت بنتائج عكسية، والتي خدمت هدف إيران طويل الأجل: إخراج الولايات المتحدة من المنطقة.
يقول فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية: "إيران هي الدولة الأكثر نفوذاً في العراق الآن. وهذه القوة ستنمو فقط إذا غادرت الولايات المتحدة".
وأضاف جرجس أن التحدي الأكثر أهمية بالنسبة للعراق الآن ليس تنظيم "داعش"، وإنما إعادة بناء دولة عاملة -محاربة الفساد، وتغيير الحكومة القائمة على أساس الطائفية إلى حكومة قائمة على المواطنة، وإضفاء الطابع المهني على الجيش، على سبيل المثال. وقال جرجس إن إيران ليست مهتمة بهذه الأهداف، وإن انسحاباً أميركياً سيكون من شأنه أن يشجعها فقط على توسيع نطاق وصولها في منطقة الشرق الأوسط.
وقال جرجس أيضاً: "إذا غادرت الولايات المتحدة، فإن الناس في جميع أنحاء المنطقة سيعتقدون أن ترامب، على الرغم من كل أدواته الخطابية الوردية، لا يمتلك حقاً استراتيجية للشرق الأوسط، وأنه في نهاية اليوم سوف يحزم حقائقبه ويعود إلى البيت".
سوف يكاون إجبار الولايات المتحدة على الخروج نهاية مهينة لمهمتها الطويلة في العراق، التي امتصت مئات المليارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين وكلفت أرواح الآلاف من الجنود الأميركيين.
ومن جهته، نفى مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، ما يُقال عن مغادرة الولايات المتحدة، لكنه أشار إلى خفض محتمل للأعداد. ويرى جرجس هذا الاقتراح على أنه تمرين لحفظ ماء الوجه بالنسبة للولايات المتحدة، والذي يمكن أن يسمح للقوات الأميركية بالبقاء بأعداد صغيرة من أجل محاربة "داعش"، وإنما الذي يبدأ بشكل أساسي عملية الانسحاب.
كيف تمكنت إيران من بسط نفوذها في العراق؟
تأتي معظم القوة الإيرانية في العراق من خلال جماعات الميليشيات التي لها جذور في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات. ولم يكن تجنيد المقاتلين من العراق بهذه الصعوبة، فقد كان العراق دولة ذات أغلبية شيعية قادها صدام حسين القاسي السُني لأكثر من عقدين.
وكانت إيران، التي لطالما عرضت نفسها كزعيم للمسلمين الشيعة في العالم، قد أخذت أسرى حرب واستقبلت لاجئين من الشيعة، وحولتهم إلى جنود سيعودون إلى العراق لاحقاً للعمل لصالح طهران، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وقال تقرير المركز إن البعض منهم أصبحوا جزءا مما يُعرف الآن باسم "منظمة بدر"، وهي جماعة ميليشيا وحزب سياسي مناهض للولايات المتحدة في العراق اليوم.
وقال جاك واتلينغ، المتخصص في الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، بريطانيا: "بسبب القدرة التنظيمية المؤسسية لتلك الجماعات شبه العسكرية، أصبحت لديها القدرة عندما سقط صدام وانتهى القمع الذي كان يحتويها، على التوسع والعمل بشكل أكثر صراحة وظهوراً".
ثم أتاحت المعركة ضد "داعش" فرصة أخرى لإيران للتجنيد، خاصة بعد أن استولت الجماعة الإرهابية على الموصل وانهار الجيش العراقي. وكان في ذلك الوقت حين تشكلت وحدات قوات الحشد الشعبي، وهي تحالُف يضم الميليشيات الشيعية في معظمها، والتي أصبحت قوة نافذة للغاية في البلاد في غياب جيش حقيقي. ومنذ ذلك الحين تم ضمها رسمياً إلى الجيش العراقي.
وفقاً لواتلينغ، يوجد الآن حوالي 113.000 عنصر يعملون براتب في مجموعة الميليشيات العراقية القوية المدعومة من طهران. ومن بين هؤلاء، هناك ما يقرب من 60.000 فرد يمكن أن يتم نشرهم فعلياً كمقاتلين، ومن بينهم 36.000 يتلقون التوجيه من إيران.
في الانتخابات العراقية التي أجريت في العام 2018، فاز الجناح السياسي لوحدات الحشد الشعبي، "الفتح"، بثاني أعلى عدد من المقاعد في البرلمان العراقي، وهو ما أعطى صوتاً قوياً آخر للمصالح الإيرانية في الحكومة العراقية.
ومن الناحية الاقتصادية، ضمنت إيران أن يكون العراق معتمداً عليها في الطاقة، وهي تسعى إلى العثور على ثغرات وإعفاءات من الولايات المتحدة للالتفاف على العقوبات وبيع الطاقة لجارتها. كما أن العراق يشكل أيضاً ثاني أهم وجهة للصادرات الإيرانية بعد الصين، وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي، ولذلك تريد طهران ضمان أن يكون سوقها عبر الحدود مؤمناً جيداً.
ترامب يرسل رسائل مختلطة
في الوقت الذي أحرزت فيه إيران تقدماً ثابتاً في الحكومة والجيش العراقيين، تغير هدف الولايات المتحدة في العراق مرات عديدة حتى أصبح مائعاً وغائماً وغير مركّز. ويشعر المسؤولون العراقيون بالضيق والقلق من التغييرات التي جاءت مع كل رئيس أميركي جديد، ومن الإشارات المختلطة التي ترسلها إدارة ترامب.
الآن، يناضل بومبيو لإرسال رسالة تفيد بأن الولايات المتحدة موجودة في العراق لمحاربة "داعش"، بينما تشير الضربات التي يتم توجييها إلى الإيرانيين هناك وتعليقات ترامب إلى خلاف ذلك.
في العام الماضي، اعترف ترامب في مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز" بأنه يريد الاحتفاظ بقاعدة في العراق "لأنني أريد أن أنظر قليلاً إلى إيران، لأن إيران مشكلة حقيقية". وقد استفز هذا التعليق طهران، وزرع الارتباك في العراق.
وقال واتلينغ إنه يبدو أن الولايات المتحدة قد حولت مصالحها في العراق من مواجهة "داعش" إلى مواجهة إيران.
وأضاف: "إذا قالت الولايات المتحدة أن هدفنا هو تحقيق عراق قوي ومستقر، فإن أفضل وسيلة لعملهم ستكون بالعديد من الطرق التعاون بشكل وثيق مع الإيرانيين. لكن هدفهم ليس كذلك. إن رغبتهم في مواجهة الحكومة الإيرانية يطغى بالعديد من الطرق على رغبتهم في دعم الدولة العراقية. هناك تناقضات في السياسة الأميركية في المنطقة".
وتساءل واتلينغ عن الهدف الذي كانت حملة "أقصى ضغط" التي يشنها ترامب ضد إيران تسعى إلى تحقيقه، في حين استراتيجية إيران طويلة الأجل في العراق، من الناحية الأخرى، تؤتي ثمارها.
وقال: "لقد رأينا محاولة موحدة إلى حد كبير للتأكد من أن تقوم إيران بتأمين وتقييد القدرة العسكرية لبغداد والاحتفاظ بالعراق كسوق لصادراتها وكشريك اقتصادي".
كسب القلوب والعقول
على الرغم من تحقيق هدف تغيير النظام الذي كانت الولايات المتحدة تسعى إليه، مع القبض على صدام وإعدامه، غادرت الولايات المتحدة العراق في العام 2011 مع حكومة غير مستقرة. ولم يكن أمامها خيار بعد ذلك سوى إعادة إرسال القوات لإخماد الحرائق التي نشبت في البلد مع انتشار "داعش". كما شاركت إيران أيضاً في الحرب ضد "داعش"، لكنها واصلت حملتها لتعزيز نفوذها في العراق.
ومع ذلك، تفشل إيران في مجال واحد رئيسي: إنها لم تتمكن من كسب قلوب الناس حقاً هناك. وقد وجد المتظاهرون المناهضون للحكومة الذين حشدتهم المظالم الاقتصادية العميقة التي تراكمت على مدار سنوات عديدة أنفسهم في مواجهة القوات المدعومة من إيران.
وكان المتظاهرون يحتجون ضد الفساد المستشري والمحسوبية، اللذين يلقون باللوم فيهما على "الطائفية"، وهي نظام حكم قدمته الولايات المتحدة والذي يقسم السلطة على أساس الانتماء الطائفي. وفي حين أن إيران لم تخلق هذا الوضع الراهن، إلا أنها كانت لها مصلحة في الحفاظ عليه.
في مقطع فيديو يعرض بعض مشاهد المظاهرات في العراق، يمكن سماع المتظاهرين وهم يهتفون ضد كل من إيران والولايات المتحدة معاً. وقال جوست هيتيرمان، الذي يترأس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية، إن الشباب العراقيين على وجه الخصوص لا يريدون أياً من الولايات المتحدة أو إيران في بلادهم.
وقال هيترمان: "العراقيون يريدون التخلص من الاثنتين. ربما تعجب البعض إحداهما أكثر من الأخرى، لكنهم لا يريدون وجود واحدة من الاثنتين وحدها هناك بحيث تهيمن على بلدهم".
وأضاف: "قد يكون العراقيون الشيعة متحالفين بشكل فضفاض مع إيران، لكنهم لا يوافقون على آية الله الإيراني علي خامنئي. الطريقة الإيرانية ليست هي كل ما يريده العراقيون الشيعة".


*أسهمت تمارا قبلاوي من (سي إن إن) في مادة هذا التقرير.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان: The US operation in Iraq could come to an embarrassing end. Iran's power will only grow