العملية التركية في سورية: استخلاص الجنود بالقوة

قوات تركية شاركت في استعادة الجنود الأتراك المحاصرين من سورية - (أرشيفية)
قوات تركية شاركت في استعادة الجنود الأتراك المحاصرين من سورية - (أرشيفية)

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 23/2/2015

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

قعقعت الدبابات المصحوبة بقوات تركية والمدعومة بطائرات هليوكبتر هجومية في داخل الأراضي السورية خلال عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي، من أجل إعادة 38 جندياً تركياً يحرسون ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية. وكان القصد من ذلك هو توفير حماية للجنود، والتي تقيهم هجوماً محتملاً من جانب جهاديي مجموعة الدولة الإسلامية "داعش". ويقع الضريح، كما يجدر التنويه، على بعد 30 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود التركية، ويحيط بواحد من خطوط الإمداد الرئيسية للجهاديين، والموصلة إلى مدينة الرقة، "عاصمة" دولتهم المعلنة ذاتياً. وكانت هذه الحملة الليلية هي أول توغل تقوم به تركيا في داخل الأراضي السورية منذ بدء الانتفاضة هناك قبل نحو أربعة أعوام.
في الأثناء، وصفت الحكومة السورية هذا التحرك بأنه "عدوان مفضوح". وتجدر الإشارة إلى أن الجيب يعد أرضاً سيادية تركية بموجب معاهدة كانت قد وقعت بين تركيا وفرنسا في العام 1921، عندما كانت فرنسا ما تزال تحكم سورية. لكن سورية تصر على القول إنه كان من المتوجب على تركيا أن تطلب منها الإذن قبل القيام بعمليتها. ومن جهته، أقر رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بأن تركيا لم تسع إلى طلب الإذن، لكن هذا لم يبد وأنه يؤرقه؛ فقد وصف المهمة بأنها كانت "ناجحة للغاية". وفي الأثناء، أعيد وضع رفات سليمان شاه في موقع مؤقت أقرب إلى الحدود التركية.
من شأن هذا التحرك أن يسمح لتركيا بأن تلعب دوراً أكثر جرأة في القتال ضد الجهاديين، تحت القيادة الأميركية. وكان الإسلاميون الجدد الحاكمون في تركيا قد قاوموا حتى الآن كل الضغط الذي مورس عليهم للسماح لطائرات الائتلاف باستخدام قاعدة "إنجرليك" الجوية في جنوبي تركيا لتوجيه ضربات ضد أهداف تابعة للدولة الإسلامية "داعش" في سورية، فيما جاء في جزء منه لخشية الأتراك من قيام المجموعة بتوجيه رد انتقامي ضد رجالهم عند ضريح سليمان شاه. وكانت الحكومة التركية قد اكتوت من قبل: ففي الصيف الماضي، كانت قد تجاهلت تحذيرات من أن مجموعة "الدولة الإسلامية" كانت على وشك مهاجمة مدينة الموصل العراقية، وفشلت في إجلاء قنصليتها من المدينة. لكن الجهاديين اقتحموا القنصلية واحتجزوا 49 موظفاً فيها كرهائن، قبل أن يتم إطلاق سراحهم في إطار صفقة اشتملت على الإفراج عن مئات عدة من مقاتلي الدولة الإسلامية من السجون التركية. ويقول أوزغور أنلوهيسارشيكلي من صندوق مارشال، المؤسسة الفكرية التابعة للأمم المتحدة: "بوجود جنودها بعيداً عن طريق الضرر، ستكون لدى تركياً يد أكثر طلاقة للمشاركة في الائتلاف، إذا هي اختارت ذلك".
يعتقد القليلون، مع ذلك، بأنها ستختار المشاركة. وهناك اعتقاد بأن مجموعة "الدولة الإسلامية" تتوافر على شبكة قوية في داخل تركيا، والتي بمقدورها زعزعة الاستقرار في البلد خلال الاستعدادات للانتخابات البرلمانية المقررة يوم السابع من حزيران (يونيو) المقبل. وفي مذكرة سرية سربت للصحافة التركية، حذر قسم التجسس الوطني في البلد من أن خلايا الدولة الإسلامية في داخل تركيا تخطط لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سفارات البلدان المشاركة في الائتلاف المعادي لمجموعة "الدولة الإسلامية". ولن يفيد أن تركيا وأميركا وقعتا في الأسبوع قبل الماضي على صفقة لتدريب وتجهيز ثوار سوريين معتدلين يخوضون معارك ضد "الدولة الإسلامية".
سواء أفضت مهمة استخلاص الرفات إلى تصعيد الهجمات على "الدولة الإسلامية" أم لم تفض، فإنها تشير إلى تغير كبير في علاقات تركيا مع أكراد سورية. ويقول مسؤولون أكراد إن العملية نفذت بالتعاون مع الميليشيات السورية الكردية، التي تعرف باسم وحدات الدفاع الشعبي. وكانت هذه الوحدات قد حظيت ببروز دولي كبير عندما استطاعت طرد مقاتلي "الدولة الإسلامية" من بلدة كوباني السورية الكردية في الشهر الماضي، بمساعدة الضربات الجوية الأميركية المستدامة. (تجدر الإشارة إلى أن مئات المقاتلات الإناث الكرديات قد استرعين انتباه الإعلام في تلك العمليات). ويدعي الموقع الإلكتروني لوحدات الدفاع الشعبي تقديم تسهيلات لعملية عطلة نهاية الأسبوع التركية، وأنه تلقى الدعم من صور التقطتها الدبابات التركية وعربات الجنود المدرعة التي هدرت في شوارع كوباني، على افتراض أنها في طريقها إلى ضريح سليمان شاه، لكن السيد داود أوغلو لم ينف بيانات وحدة الدفاع الشعبي.
حتى وقت متأخر، كانت تركيا تعتبر وحدات الدفاع الشعبي الكردية تنظيما "إرهابياً". ويعد هذا التنظيم مرتبطاً عن قرب مع حزب العمال الكردستاني، المجموعة الثورية التي ما تزال تقاتل بين الفينة والأخرى ومنذ العام 1984 من أجل الحصول على حكم ذاتي للأكراد في تركيا. ومدفوعين من جانب حزب العمال الكردستاني، أسس الأكراد السوريون كانتونات حكم ذاتي، والتي تخشى تركيا أنها ستشحذ النزعة الانفصالية الكردية في داخل حدودها. وقد أحجمت تركيا عن الاستجابة للمطالب الأميركية بمساعدة وحدات الدفاع الشعبي في مقاتلة الإسلاميين. وفي الحقيقة، تدعي وحدات الدفاع الشعبي بأن تركيا تدعم الجهاديين ضدهم. وقد ازدادت حدة هذه الاتهامات عندما رفضت تركيا فتح ممر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي للمقاتلين الأكراد للوصول إلى كوباني، في وقت كادت فيه البلدة أن تسقط بأيدي "الدولة الإسلامية". وفي النهاية، أمدت الولايات المتحدة وحدات الدفاع الشعبي الكردي بأسلحة بواسطة الطائرات، وبطريقة صدمت تركيا.
من شأن إجلاء القوات التركية من موقع ضريح سليمان شاه أن يعطي تركيا، وعلى وجه التأكيد، المزيد من الفسحة لمساعدة الائتلاف في مقاتلة مجموعة "الدولة الإسلامية"، لكنه يظل من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة تريد الاستفادة من هذه الفرصة.
ومع ذلك، وفي كلتا الحالتين، فإن أي حرارة في العلاقات بين تركيا وأكراد سورية ستجعل من الأقل إرباكاً لأميركا وبلدان أخرى مواصلة المعركة المشتركة ضد الجهاديين. ويظل الأمر الأكثر أهمية هو أن ذلك سيساعد تركيا في العملية المؤجلة منذ وقت طويل لصنع السلام مع أكرادها.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Forceful extraction

اضافة اعلان

[email protected]