العنصريون في خدمة الصهيونية

العنصريون من أصول فلسطينية وأردنية يتشابهون كثيرا، وخصوصا في موقفهم من الصهيونية. فكلاهما يعتبرها، سرا أو علانية، حليفا لتحقيق أهدافه، والعدو هو الآخر؛ أي الشرق أردني أو الأردني من أصول فلسطينية. طبعا هم ليسوا من السذاجة بحيث يعلنون تحالفهم مع الصهاينة، لما لذلك من عواقب وخيمة على مستوى شعبي. ولكنهم يغتنمون بعض المناسبات لمغازلة الصهاينة، سواء في المؤتمرات أو الإعلام، وما خفي يظل أعظم. والصهاينة يستغلون الطرفين لإضعاف الأردن وفلسطين.اضافة اعلان
نظرة الطرفين إلى مكوني الأردن واحدة، تقوم على إلغاء التاريخ والجغرافيا والسكان. من يرددون المقولة الصهيونية بأنه لا يوجد أردن وأنه عشائر تائهة في الصحراء، يتساوون مع من يرددون مقولة لا يوجد أردنيون من أصل فلسطيني. فالأردن مثل كل دول المنطقة، رسم خريطته الاستعمار، الذي هو نفسه رسم خريطة فلسطين. وقبلها كان البلدان جزءا من بلاد الشام التاريخية، ومركزها دمشق. وفي الأزهر كان أبناء البلدين يضمهما رواق الشوام. ولولا المشروع الصهيوني لكان البلدان جنوب سورية الطبيعية.
ليس مثل محافظة معان دليلا على رخاوة الجغرافيا في مرحلة ما بعد انهيار الخلافة العثمانية. فمع أن المحافظة تاريخيا جزء من بلاد الشام، وظلت تتبع حتى في العهد الفيصلي لدمشق، إلا أنها ضمت إلى مملكة الحجاز، ولم يشملها أول تعداد سكاني أجراه الإنجليز قبل إعادتها إلى الأردن في وقت لاحق.
في قانون الإشراف على البدو، الرخاوة أوضح. دخلت عشائر إلى الأردن وخرجت أخرى بمرونة. ولم تقم الدنيا ولم تقعد، لأننا في فضاء عربي وإسلامي. لم نشهد مظاهرة للشرارات بعد ضمهم إلى السعودية، ولا مظاهرات في معان بعد فصلها عن الحجاز. كانت أشبه باستحداث بلديات وضمها هذه الأيام. الأردن، وبهذه البساطة، ولد قبل الدولة الصهيونية، ومستمر ويتعرض لتهديدات وجودية أقل. لأنه لم يقم على أساس احتلال بلد وإحلال شعب مكان شعب.
نفتخر بحجر ميشع والبتراء وإنسان العصر الحجري والمغطس ومكاور ومؤتة واليرموك، لكن ذلك يحقق شعورا جامعا وليس إطارا جغرافيا في القانون الدولي. فمثلا، جند الأردن في الفتح الإسلامي تاريخيا كانت تضم وسط الأردن ووسط فلسطين. وحركة ميشع لم تكن خاضعة لاتفاقيات الانتداب، والمسيح عليه السلام ويوحنا المعمدان لم يكونا يحملان بطاقات صفراء ولا خضراء. يوجد قانون دولي ومجتمع دولي جعل منا أردنيين بالصيغة التي نعيش. وتلك الصيغة ينظمها محليا قانون الجنسية لا غير. الحفاظ على الأردن وحمايته يتطلبان التمسك النهائي بالصيغة القانونية الدولية، بقدر ما يتطلبان تنمية الشعور والاعتزاز الوطني.
التشكيك بهوية وانتماء أي مواطن حامل للرقم الوطني الأردني تماما كالتشكيك بالوطن نفسه. فالوطن ليس جبالا وسهوبا بقدر ما هو إنسان ومواطن. ومن يسعى إلى تقسيم الوطن سكانيا لا يقل سوءا عمن يسعى إلى تقسيمه جغرافيا. والمشككون الساعون إلى التقسيم من الطرفين هم عن وعي أو عن جهل يخدمون المشروع الصهيوني ويعملون لمصلحته. ومن يتصدى للمشروع الصهيوني هو من يعمل على تجميع الناس والتأليف بين قلوبهم.

[email protected]