العنف والتمييز ضد النساء كعرف!

التمييز والعنف ضد النساء ظاهرة كونية، تشهد على ذلك عالمية الحملة التي تشن ضدهما هذه الأيام. لكن المجتمعات المختلفة قطعت أشواطاً متباينة في اتجاه التخلص من الظاهرة، أو إدامتها. وفي الحقيقة، يُمارس التمييز ضد المرأة في الوظائف والأجور في كل مكان تقريباً، حتى الغرب المتقدم نفسه. وهناك حالات اغتصاب النساء وممارسة الاستعباد الجنسي والعنف الجسدي ضدهن. وباختصار، هُناك خلل بنيوي معقد الأسباب والتكوين في العقل العالَمي يُميّز بين الذكور والإناث، والذي ربما نجم عن فرق القوة الجسدية بين الجنسين وتوزيع الأدوار بناءً عليه. ولعل أبرز ما تحدد بذلك، هو احتكار الرجل –بمنطق العضلات غالباً- وظيفة تقييم أهمية كل الأدوار الجنسوية. وبهذه السلطة، مَنح لمعظم أدوار المرأة في الحياة البشرية علامات أدنى.اضافة اعلان
على سبيل المثال، اعتبر الرجل دوره في استمرار الحياة هو الأساسي، باعتباره "زارع البذرة"، بينما اعتبر أدوار المرأة في الحمل والإنجاب والإرضاع والعناية بالأطفال وتربيتهم شؤوناً ثانوية، مختزلة أحياناً في مجرد دور "الحاضنة" فقط للحياة التي يُخلِّقُها الرجل. وفي هذا التقسيم، غابت الحقيقة الموضوعية البدهية: أن الحياة لا تتخلَّق بدون الجنسين، بل إن أهم أطوار حياة الإنسان تكون في عهدة المرأة. وفي الأسرة، اعتُبرت ممارسة الرجل أعمالاً تحتاج القوة العضلية أهم من عمل المرأة في المنزل والحياة العاطفية والإنسانية للزوج والأولاد، باعتبار الرجل "جالب الخبز". وحتى مع أن النساء كُن "جالبات خبز" أيضاً -سواء في الزراعة وبناء البيوت والإنتاج، ثم في معظم الأعمال التي يزاولها الرجال الآن، أو في الأعمال المنزلية وترتيب الحياة الأسرية- فإن دورها الاقتصادي بهذا المعنى اعتُبر تكميلياً لعمل الرجل "الأساسي". ومن المفارقات المعاصرة أن عمل المرأة مربية أو جليسة أطفال عاملة منزل يعامل كعمل إنتاجي له أجر يُحسب بالساعة، لكن نفس العمل لا يُعتبر إنتاجياً وجالب خبز عندما تمارسه الأمهات والزوجات بدوام كامل. وفي حين يشترط شباب اليوم الارتباط بامرأة عاملة "جالبة خبز"، فإن دورها هذا يذهب أيضاً إلى خانة الفهم الفوقي إياه: "اخدمني وأنا سيدك".
في كل هذا، تختص ثقافتنا ومجتمعاتنا بتأصيل ومأسسة التمييز ضد المرأة، في النصوص والممارسات والعرف الاجتماعي –وفي القوانين الرسمية أيضاً. ويحكم ذهننا الجمعي مفهوم يحدد كل ما يليه: قوامة الرجل على المرأة، وتأويلها بطرق تضمن تفوقه عليها بالكامل، سواء في السلطة، أو الحصة الاقتصادية، أو التحكم المطلق في مصائرها واختياراتها –بل وتقرير حياتها أو موتها نفسيهما أحياناً. لدينا، يقرر وليّ الأمر تعليم البنت أو حرمانها من العلم؛ وتزويجها قاصرة أو فرض الشريك؛ وكيف تتحرك في المجتمع وكيف تلبس أو كيف "تخدم" في البيت. وفي كثير من الأحيان، يقرر الذكر إنهاء حياة المرأة على أساس مساسها بشرفه الذكوري، في حين يفلت الذكر (الشريك في الفعلة المفترضة) بحصته من المسألة وكأنها حق له. وتُقتل النساء عندنا إذا تعرضن للاغتصاب فيكن ضحيّة مرتين، أو يُزوجنَ قسراً للمغتصب فيكنّ ضحايا اغتصاب أبدي ويُمنحن مكافأة للجلاد. وفي بلادنا، يعتبر زواج المرأة من "أجنبي" –أي عربي أو مسلم من بلد آخر- مثل خيانة تستوجب العقوبة، فيُحرَم أبناؤها من الحقوق، بينما يتزوج الرجل من أي مكان وتتبنى مؤسسات الدولة والمجتمع اختياره.
في ثقافتنا يُعلى من شأن الأبوية وحبس طاقات المرأة والحد من حركتها وخياراتها، باعتبار ذلك "تكريماً" يفوق كل تكريم. إننا نكرِّمها بجعلها تابعة اقتصادياً، ومعفاة من اتخاذ القرار حيث يقال لها ما تفعل وما لا تفعل. ونكرمها "بصونها" بين الجدران وفي الرداء وبكتم صوتها لأن سماعه في العالَم عَيب. وفي الوقت نفسه، تنطوي ممارساتنا على منتهى التناقض والازدواجيات والنفاق الجندري.
التقدميون عندنا يتحدثون عن حرية المرأة ببلاغة شاعر، لكنهم يزعمون قريباتهم من "الصيادين" الآخرين بتسلط دكتاتور. والمحافظون يمارسون "التكريم" إياه. والنتيجة: التحرش الجنسي والابتزاز وخداع القاصرات في أعلى المستويات. وتزويج الصغيرات والزواج القسري والمرتب، واغتصاب حق الإناث في الميراث والكسب والتصرف بالمال الشخصي –حدِّث ولا حرج. وقتل "الشرف" على قدم وساق. وفي كثير من الأماكن أصبحت الشوارع بالنسبة للنساء غابة شرسة. وفي سياقنا المليء بالويلات، حيث الجندرية في قلب السبب والنتيجة، ترجع أوضاع النساء إلى الوراء فحسب!