العودة إلى الحياة

مع صبيحة هذا اليوم، نكون قد بدأنا، تقريبا، بالعودة إلى حياتنا الطبيعية، ومغادرة الكثير من التعقيدات التي اختبرناها مؤخرا، مثل الإغلاقات و”الزوجي والفردي”، وتصاريح المرور التي أثارت العديد من التساؤلات حول كثرتها بالنظر إلى الأعداد الكبيرة للمتنقلين بمركباتهم.اضافة اعلان
اليوم، نغادر محطة الخوف الأولى، التي فرضها علينا انتشار وباء “كورونا”، من أجل أن نحاول العودة إلى ما كنا نفعله قبل منتصف آذار (مارس) الماضي.
من الصعب القول إنه لم يحدث شيء!
ثمة أشياء كثيرة حدثت خلال الشهرين الماضيين؛ قانون الدفاع، موت المدن والأسواق، نهوض لمة الأسرة من جديد، الرعب القادم من المجهول، تتبع أعداد الحالات اليومية.. وبالتأكيد مزيد من الغوص في دخيلتنا لنستشرف أكثر الأشياء التي تجلب لنا الخوف من الحياة، وتلك الأخرى القادرة على أن تشعرنا بالطمأنينة.
من الصعب القول إنه لم يحدث شيء؛ ثمة مصالح تعطلت، وشركات أغلقت أبوابها، وعاملون انضموا إلى صفوف البطالة التي لا يعرف أحد كم بلغت أرقامها الحقيقية اليوم. وثمة عائلات انزلقت إلى صفوف الفقراء بعد أن توقف دخلها على مدار أكثر من سبعين يوما!
وعلى الصعيد الأكثر شمولية، فهناك الدولة التي توقفت إيراداتها، والاضطرار للجوء إلى الاقتراض لسد العجوزات الكثيرة، من أجل مواجهة توقف الإيرادات والسيطرة على انتشار الوباء. وهناك أيضا أموال الأردنيين الموجودة في صندوق استثمار أموال الضمان، والتي ظلت قريبة من يد الحكومة عند كل حاجة، ولا ندري هل يتوجب علينا أن نشعر بعدم الطمأنينة حيال ذلك!!
إجراء حساب للكلف الاقتصادية والاجتماعية سيكون عسيرا في الوقت الراهن. هذا في حال كانت لدينا رغبة حقيقية في إجراء مثل هذه الحسبة. ولكن، بالتأكيد يتوجب علينا أن نجري تقييما شاملا؛ حقيقيا وشفافا لجميع إجراءات الحكومة خلال الأزمة، يتم من خلاله وضع جميع أوامر الدفاع على طاولة البحث والنقاش، وتقييم آثارها؛ الإيجابية والسلبية على القطاعات المستهدفة، وأيضا آثارها التي من الممكن أن تمتد إلى ما بعد الأزمة الراهنة.
الأوامر الخاصة بتشغيل القطاعات وعلاقة العامل بصاحب العمل والمنشأة، ينبغي أن تخضع لإعادة التقييم، ودراسة تأثيراتها على جميع أركان المعادلة. من المهم تمكين قطاعات الإنتاج المختلفة والشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه الفترة العصيبة. لكن، أيضا من المهم جدا أن تتوفر حماية قوية للعاملين في هذه القطاعات، وإلا فإننا سنكون حينها كمن يختار التحديات من متعدد، ولا ينظر بشمولية إلى كامل المشهد.
الفقر والبطالة هما الملفان الأكثر إيلاما محليا، ومن دون وضع استراتيجية حقيقية لعلاجهما، فسوف لن تنفع أي إجراءات ترقيعية في سياق إنعاش الإنتاج والأسواق.
بعد ذلك، لا بد أن ننظر باتجاه قانون الدفاع نفسه، وأن نسأل: هل هناك من مبرر لأن يظل العمل به قائما حتى اليوم؟
في منتصف آذار، وحين أعلن رئيس الوزراء العمل بقانون الدفاع، كان هناك شبه إجماع على ضرورته حينها، من أجل التسهيل على الحكومة بإجراءات محاصرة الوباء، وإصدار الأوامر الكفيلة بذلك. الإجراءات الحكومية ساهمت ببقاء المستوى الوبائي في المملكة ضمن الحدود المنخفضة، وها نحن ننطلق اليوم في حياتنا من جديد، فما هو مبرر بقاء العمل بقانون الدفاع؟
نحن نعلم أن العمل بهذا القانون جاء لمصلحة وطنية عليا، ولحفظ أمن وسلامة المواطن، لكننا لا نريد أن نستمع إلى الأصوات التي ترتفع اليوم، والقائلة إن الحكومة تريد بقاء العمل به لتوفير حماية ما، أو مصادرة الحريات التي كفلها الدستور.