العودة إلى برنامج "الوسط" في الإخوان

   على الرغم من عدم استقرار نتائج شورى الإخوان بعد، إلاّ أن بعض التسريبات والمعلومات تشير إلى مفاجآت على درجة من الأهمية، أبرزها فشل د. همام سعيد رمز تيار "الصقور" في الشورى، كما ترافق ذلك مع قرار تنظيمي بمنع سعود أبومحفوظ من الترشح، والغاء شعبة الطفيلة ما حال دون ترشح أحمد الزرقان وكلهم محسوبون على تحالف "الصقور- التيار الرابع". في المقابل نجح عدد من المحسوبين على تيار الوسط وأبرزهم نائل مصالحة وسالم الفلاحات، مما يعني ثقلا تنظيميا كبيرا للوسط إذا ما أضيف إلى الأسماء السابقة آخرون كأحمد الكفاوين وعبدالحميد القضاة ورحيل غرايبة وغيرهم.

اضافة اعلان

   صحيح أنه من المبكر الحكم على الصورة النهائية للقيادة الإخوانية القادمة، لكن النتائج الأولية يمكن أن تشكل مؤشرات ذات دلالة كبيرة على طبيعة التنافس الدائر الآن والاحتمالات المتمخضة عنه الانتخابات الإخوانية أخذت هذه المرة صيغة التنافس بين تحالفين رئيسين. يتآلف الأول من تيار الصقور (كتلة المركز الإسلامي) والتيار الرابع (مقرب من حماس)، أما التحالف الثاني فيتآلف من "الحمائم" و"الوسط".

في السنوات الأخيرة، بخاصة بعد الانتخابات التنظيمية السابقة، ازدهر التيار الرابع داخل الحركة الإسلامية، وتمكن من بسط نفوذه داخل القيادات الشبابية، وورث تيار الوسط في القيادة الإخوانية، بعدما تفكك الأخير وانعزل أحد أبرز قادته عماد أبودية، فيما انضم كثير من أفراده إلى التيار الرابع الذي أفرز اللون الإخواني داخل مجلس النواب الأردني الحالي.

   المناخ الذي خيم على الانتخابات في البداية كان يوحي بقوة وسيطرة تحالف الصقور- التيار الرابع، بخاصة مع ترشيح مجلس شورى الإخوان لزكي سعد (من التيار الرابع) ليكون الأمين العام القادم لجبهة العمل الإسلامي، إلاّ أن فوز حماس الساحق في الانتخابات الفلسطينية ألقى بظلال مختلفة، وغير متوقعة على الانتخابات الإخوانية ، ومن ذلك تنامي مزاج عام داخل الإخوان يرى ضرورة إعادة صوغ الخطاب الإسلامي وترتيب أولوياته من جديد، بحيث تعطي القضايا المحلية والداخلية الأولوية والاهتمام، في حين كانت عين الإخوان في السابق على فلسطين وعلى أولوية دعم مشروع المقاومة الإسلامية هناك.

   وإحدى الفرضيات الرئيسة المتداولة اليوم، في الأوساط السياسية الأردنية بعد فوز حماس، هي أن ثمة اتفاقا لا بد أن يأخذ طريقه بين الحكومة الأردنية وحماس بأن تكف الحركة نشاطاتها المختلفة في الأردن، كما حصل مع حركة فتح عام 1993. وإذا ما حدث الاتفاق المتوقع، متزامنا مع التحول في المزاج الإخواني نحو الشأن الداخلي والبحث عن برنامج الحركة الإصلاحي في الأردن، فستكون المحصلة المنطقية هي "توطين" برنامج الحركة الإسلامية واهتماماتها بدرجة كبيرة، وهو ما سيمثل، من زاوية أخرى، مكسبا أردنيا، لما تمتلكه جماعة الإخوان من قدرات وطاقات مهنية محترفة، كانت مشغولة في السابق بقضايا قومية وإسلامية أكثر من القضايا المحلية.

   الاهتمام بالقضايا الداخلية والوطنية، تطوير قدرات الإخوان , الاصلاح الداخلي، توحيد مراكز الجماعة ومؤسساتها وفعالياتها المتعددة، التي كادت أن تجعل الجماعة جزراً متفرقة، ووضعها كلها تحت قيادة المكتب التنفيذي في الجماعة، تحديد مسارات العمل السياسي بما لا يؤثر على الجوانب الأخرى للمشروع، الاهتمام بقضايا التنمية والنهضة على المستوى الداخلي الأردني، وإعادة الاعتبار للبعد الدعوي الإصلاحي للجماعة في المجتمع المحلي، كانت هذه القضايا الرئيسة التي رفعها "الوسط" تحت عنوان "المراجعة الذاتية"، منذ منتصف التسعينيات. وقد تمكن الوسط بسنوات قليلة من تشكيل تيار قوي نافذ من الشباب المؤثرين والنافذين في الجماعة، وسحب البساط من تحت أقدام كل من تيار الصقور والحمائم. وكان عماد أبودية العقل المفكر داخل الوسط، وتمكن بشخصيته الكارزمية من قيادة الوسط إلى المكتب التنفيذي في الجماعة، وأصبح أبودية نفسه نائبا للمراقب العام.

   إلاّ أن عصر الوسط الإخواني لم يدم طويلا، ودخل في صراع مع قوى داخل الجماعة، وتمت عملية تشويه كبيرة لأهداف الوسط وصورته، وبالتحديد أبودية، الذي تعرّض لحملة تشهير غير مسبوقة داخليا وإعلاميا، وتحالف ضده الصقور والحمائم والتيار الرابع مجتمعين.  ولم يألوا جهدا في كيل الاتهامات له بالإقليمية تارة والعمالة للحكومة تارة أخرى ومعاداة حماس تارة ثالثة، فيما اتخذ عماد مبدأ "الصمت" وعدم الرد على الحملة العنيفة، وعدم تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج، ما أضعف الوسط ونشّط منافسيه، فانتهت المعركة ضد الوسط إلى اعتزال أبودية القيادة وكثيرا من النشاطات الإخوانية.

   اليوم، تدور الجماعة دورة أخرى، وتدفع الشروط السياسية الموضوعية إلى عودة مشروع "الوسط" وبرنامجه الإصلاحي إلى بؤرة الاهتمام الإخواني، فيما تظهر النتائج الأولية للانتخابات التنظيمية وجود إرهاصات لعودة رموزه السابقين إلى مراكز القيادة والنفوذ، لكن عودة الوسط لن تتم في المرحلة القادمة إلا بقاعدة تحالفات جديدة، وبإعادة جزء كبير من شباب الإخوان إلى برنامج التيار، وسيكون هذا هو الاحتمال الأكبر إذا ما تفكك التيار الرابع كأحد تداعيات فوز حماس على الإخوان الأردنيين.

[email protected]