العودة إلى مفهوم الدولة الفاشلة

بعد مرور سبعة أشهر على اندلاع الثورات العربية التي غيرت أنظمة الحكم في دولتين وأشعلت ثورات وحركات شعبية كبرى في أربع دول أخرى لم تحسم أمرها، نجد فرصة ملائمة من الناحيتين العلمية والسياسية لإعادة مراجعة مفهوم الدولة الفاشلة في ضوء مؤشرات وممارسات السياسة والحياة في هذا الجزء من العالم، حيث يرجع مصطلح (الدولة الفاشلة) إلى حقبة التسعينيات ويشير بشكل واضح إلى الدولة التي تفشل في القيام بوظائفها الأساسية الأمنية والسياسية والاجتماعية، ما يجعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين. اضافة اعلان
  تزامن صدور تقرير قائمة الدول الفاشلة لعام 2011 مع انطلاق الثورتين التونسية والمصرية في شهر كانون الثاني، التقرير السنوي يصدر عن صندوق السلام العالمي، وهو مؤسسة دولية مستقلة تتخذ من واشنطن مقرا لها وتأسس في عام 2005. التقرير للعام 2011 يقيس نجاح وفشل 177 دولة في العالم واعتمد على 130 ألف مصدر مفتوح ومتاح للمعلومات مقارنة مع (90) ألف مصدر معلوماتي متاح علناعام 2010 ونحو 30الفا عام 2008، حيث يقيس حالة الدولة من حيث العجز والفشل والنجاح والاستقرار، ويعتمد المقياس على (12) مؤشرا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتخضع هذه المؤشرات ومكوناتها الفرعية إلى تعديلات في بعض الأعوام وأهمها (الزيادة السكانية وتوزيع السكان، الحركة السكانية والهجرات، غياب التنمية، القيادة السياسية، حقوق الانسان، أوضاع الطوائف والأعراق والقبائل، اللجوء، مستويات الفقر وأوضاع المساواة، شرعية الدولة، تطبيق القانون والقضاء، مدى تدخل دول أخرى في شؤون الدولة).  في الحالة التونسية تدل قراءة المؤشر على مدى السنوات الخمس الماضية على الانحدار المستمر على الرغم من أن مكانة الدولة التونسية قد تجاوزت طوال السنوات الماضية حاجز المائة الاولى من الدول الفاشلة، حيث جاء ترتيبها عام2011 متراجعا 14مرتبة عن عام 2008 وجاءت بالتوالي اعتبارا من هذه السنة (108، 118 ،121،122 ،122)، بينما جاءت مصر في عام 2011 في الترتيب 45 عالميا وبتراجع أربع مراتب عن العام الماضي حينما كان ترتيبها 49 عالميا، ويوضح المؤشر استمرار انهيار مكانة الدولة اليمنية التي بقيت تصنف على مدى السنوات الماضية ضمن فئة الدول الاكثر فشلا، حيث جاء ترتيبها عام 2011 رقم 13 عالميا بتراجع مقداره 12 مرتبة عن عام 2008 بينما جاء تقدير اداء الدولة اليمنية في الفئات العريضة
 ( القيادة السياسية، الجيش، الامن والشرطة، العدالة والقضاء، التنمية، الخدمات المدنية) ضعيفا.
دول المجموعة الأولى الأكثر فشلا هذا العام (الصومال، تشاد، السودان، الكونغو، هايتي،زيمبابوي، افغانستان، افريقيا الوسطى، العراق،غينيا، الباكستان، اليمن) وجاءت الدول الأكثر نجاحا، أي أكثر استقرارا وأمنا وازدهارا والأكثر تقدما في نوعية الحياة (فنلندا، النرويج، السويد، سويسرا، الدنمارك، نيوزلندا، ولكسمبورغ، النمسا، استراليا، وكندا).  تقدم الأردن هذا العام ست مراتب عن العام الماضي وجاء ترتيبه 96 عالميا في نفس ترتيب تركيا، بعد أن تراجع أربع مراتب العام الماضي عن عام 2009، حيث ما يزال الاردن يحافظ على ترتيب متقدم بالمقارنة مع دول عربية أخرى مثل سورية 48 ولبنان 43 والسعودية 93 والمغرب 87.
علميا تقدم الثورات والحركات الشعبية العربية مبررات واضحة لإعادة بناء مفهوم الدولة الفاشلة، وربما هذا ما سنلاحظه  في الأدبيات والتقارير القادمة. في المقابل توفر المؤشرات الراهنة أدوات يوثق بها إلى حد ما حول مستقبل ما تبقى من الأنظمة العربية.