العودة الجزئية للنشاط الاقتصادي

قدم الأردن نموجًا محكمًا في الإدارة الصحية لجائحة كورونا، واتخذ إجراءات صارمة لمنع انتشار الوباء والمحافظة على صحة المواطنين. هذه الإجراءات اقتضت تعطيل المؤسسات العامة والخاصة منذ بداية الأزمة مع قوانين حظر مؤقت لحركة المواطنين. أما الآن بعد النجاح في محاصرة الوباء، فقد بدأت الحكومة باتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية هدفها الأول توفير الحماية الاجتماعية للفئات التي تعاني من ظروف اقتصادية هشة كعمال المياومة والمتعطلين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أما الهدف الثاني فهو العودة التدريجية للحياة الاقتصادية، لأن إدامة وقف الأنشطة الاقتصادية سوف تؤدي إلى تبعات اقتصادية سلبية على المواطنين والاقتصاد بشكل عام حيث تم السماح لعدد من القطاعات بالبدء في مزاولة أعمالها منذ يوم الثلاثاء الماضي.اضافة اعلان
بالطبع فإن العودة التدريجية جاءت ضمن شروط محددة هدفها المحافظة على النجاح الصحي والاستمرار في محاصرة الوباء. ولكن التفاصيل والشروط التي فرضتها الحكومة على هذه القطاعات لاستئناف نشاطها تثير بعض التساؤلات من حيث قدرتها عل تحقيق الأهداف المرجوة منها. من ضمن هذه الإجراءات تحديد نسبة العاملين المصرح لهم بالعمل بنسبة 30 % للمنشآت التي توظف أكثر من عشرة أشخاص مع الإبقاء على ساعات الحظر الجزئي وعدم السماح بالتنقل بالسيارات لا لمقدمي هذه الخدمات ولا للمستهلكين ولا للذين يسعون للاستفادة من هذه الخدمات، وأخيرًا اشتراط أن تكون هذه المؤسسات والعاملون فيها مسجلين في الضمان الاجتماعي. قد تكون هناك أسباب ومبررات لهذه الشروط وقد تكون منطقية بشكل عام، ولكن من الواضح أن هناك صعوبات ستواجه هذه المنشآت في الممارسة الفعلية مرتبطة بطبيعة هذه الأعمال والتركيبة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الأردني.
بعض هذه الشروط قد تكون ضرورية لتجنب الاحتكاك بين المواطنين، ولكن بعضها على أهميته قد لا يكون ضروريًا لاستئناف الأعمال في هذا الظرف، وخاصة شرط الانضمام المسبق للضمان الاجتماعي. لأغراض تسريع عودة الأعمال وتجنب تأخير عودة هذه الأنشطة لممارسة أعمالها فيمكن السماح لها بالعودة للعمل شريطة التسجيل بالضمان الاجتماعي خلال شهر على سبيل المثال. كذلك الحال بالنسبة للمحفظة الإلكترونية أو اشتراط التنقل سيرا على الأقدام. إن طبيعة توزيع الأنشطة الاقتصادية في الناحية الجغرافية قد تجعل من ذلك شرطًا تعجيزيًا. صحيح أن بعض المحلات موجودة في الأحياء والحارات ولكن هناك تركز لبعض الأنشطة الاقتصادية في أماكن بعينها وهي بعيدة عن أغلب المناطق السكنية. الأصل لهذه التعليمات أن تسهل عودة الأعمال بالسرعة الممكنة وبعض هذه الشروط قد تقف عائقًا أمام ذلك سيما ونحن نوشك على الدخول بشهر رمضان المبارك.
باعتقادي أن الشروط التي يجب أن تفرضها وزارة العمل على عودة هذه القطاعات للعمل يجب أن لا تتجاوز الشروط الصحية التي يمكن أن تحددها لجنة الأوبئة أو وزارة الصحة وذلك لضمان السلامة العامة وعدم التهاون في إجراءات منع انتشار الوباء واحتوائه، أما الشروط الإضافية فيمكن التفكير في كيفية تحقيقها بطرق أخرى لا تعطل العودة الجزئية لعمل القطاعات التي تم تحديدها.
لقد أثبتت الحكومة وخلية إدارة الأزمة مرونة عالية في تقييم نتائج قراراتها عند التطبيق وسرعة التعديل إذا اقتضى الأمر ذلك. قد يكون من الضروري إعادة تقييم هذه الشروط والقرارات بالتشارك مع الجهات المعنية للوصول إلى حلول تحقق الأهداف الرئيسية لهذه الإجراءات وتسهّل العودة للحياة الطبيعية بشكل تدريجي.