"العيدية".. فرحة تتجدد وتعيد طقوسا "غيبها" كورونا العام الماضي

_
_

تغريد السعايدة

عمان - ذلك الشعور الذي "افتقده" الصغار والكبار في عيد الفطر العام الماضي مع بداية انتشار فيروس كورونا وملازمة العائلات البيوت طوال الوقت، عاد ليتجدد العام الحالي وإن بقي "محصورا" بعض الشيء، لكنه أعاد إحياء الأمل بدواخلهم الأمل وهم يتسلمون "العيديات" والهدايا من أسرهم الصغيرة والكبيرة.اضافة اعلان
وكما كل عام، ينتظر الأطفال كل عيد لاستلام "العيدية" وجمع النقود من الأقارب وأصدقاء العائلة، ليخططوا بعد ذلك في كيفية صرفها، وشراء الهدايا والألعاب، أو حتى "تحويشها" مع عيديات سابقة، لجلب ما يحلمون به.
الطفل أمير (10 أعوام)، انتظر زيارة أخواله لوالدته، إذ اصطف مستعدا لجمع العيدية، كما باقي إخوته ووالدته. هذه العيدية التي بعثت الفرحة في قلب أمير، كما توضح والدته، والتي هي أيضا شعرت بالسعادة عند استلامها العيدية، كونها تعني لها المحبة والتقدير من عائلتها وأشقائها على وجه التحديد، الذين يحرصون في كل عام على أن يقدموها لها.
أمير جهز محفظته الصغيرة، وفرحته لا تعادلها ثمن، إذ إن هذه الممتلكات البسيطة التي يعتبرها حق له وينتظرها في العيد كما الكثير من الأطفال في معظم دول العالم الإسلامي، حيث تعد من أبرز العادات والتقاليد المرتبطة بالعيد منذ عقود من الزمن، وتقترن كذلك بصلة الرحم والحرص على زيارة الأرحام وتذكرهم بـ"العيدية"، سواء أكانت نقدية أو عينية.
الاختصاصي الاجتماعي والاستشاري الأسري مفيد سرحان يبين أن أيام العيد هي "مواسم" فرح وسرور للكبير والصغير، للغني والفقير، للنساء والرجال، والعيدية من أكثر العادات الاجتماعية المتوارثة التي تضفي البهجة، خصوصاً على قلوب الأطفال، ومن أهم مظاهر الاحتفال التي تحمل معاني الود والحب والتكافل الاجتماعي وتدخل السرور الى القلوب.
وأم يقين عبدالله (ربة منزل)، لا تفكر بالعيدية كقيمة مادية، إنما كقيمة معنوية تشعرها بالسعادة من الأعمام والأخوال الذين ما يزالون يتذكرونها بالعيدية ويزورونها باستمرار.
وتقول أم يقين إنها في كل عام تتسلم العيدية من إخوتها وأقاربها قبل العيد، وتعدها جزءا من شعورها بعمق صلة الرحم والمحبة والمودة التي يكنها لها الأهل، وتتعمد أن تحصل عليها أمام أطفالها حتى يترسخ لديهم الإحساس بأهمية هذه العادات واعتياد هذا السلوك مستقبلا.
سرحان يؤكد أن إدخال السرور إلى قلب المسلم من أحب الأعمال الى الله تعالى، وكلمة العيدية نسبة إلى العيد، تحمل معاني العطف والعطاء والحب، وتأخذ أشكالاً متعددة منها النقود والهدايا، ومنذ الصباح يبدأ الأب بتقديم العيدية لأبنائه والجد لأحفاده، وكذلك الأعمام والأخوال الذين يسكنون في أماكن متقاربة.
واعتاد بعض الاطفال في السابق على زيارة الجيران منذ صباح يوم العيد لأخذ العيدية، وإن كانت هذه العادة بدأت تتلاشى نظراً للظروف الاقتصادية وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تغيرت بين الجيران، وفق سرحان، الذي يبين أن الأطفال يتحمسون لفكرة مشاركة الكبار في الزيارات، والاجتماع للسلام على كل من يأتي للبيت ليقدم التهنئة لذويهم، متباهين فيما بينهم على من يجمع عيدية أكبر من غيره.
ويشير سرحان إلى أن فرحة العيدية ليست مقتصرة على الأطفال بل تمتد لتشمل الأخوات وبنات الأخ وبنات الأخت والعمات والخالات والأجداد، وهي تقدم لهم على شكل نقود أو هدية، ومهما كانت قيمتها فإن لها أثراً كبيراً في النفس.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية التي تعانيها العائلات بشكل عام، فإن هذا الأمر يتطلب من أولياء الأمور أن ينبهوا الأطفال إلى أهمية أن تحمل هذه العيدية فائدة وقيمة بالنسبة لهم، ويمكن الاستفادة منها بشراء ما يلزمهم من ملابس أو نواقص شخصية، واستغلالها في أيام ما بعد العيد.
ويلفت سرحان إلى أن هذه العيدية ينبغي أن لا تكون موسماً للبذخ وشراء ما لا ينفع، أو استخدامها لشراء الألعاب النارية والمفرقعات التي ربما تؤدي إلى الضرر، ومن الواجب تذكر أبناء الفقراء والمحتاجين والأيتام لتقديم العيدية لهم بما يعود عليهم بالفرح كما أقرانهم.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وخصوصا مع انتشار وباء كورونا وتدني دخل الكثيرين وتوقف عمل آخرين، يشير سرحان إلى أن العيدية قد تشكل عبئاً على الكثير من الأسر، وهنا حاولت عائلات في أيام العيد الموازنة بين حرصها على إدخال الفرح والسرور إلى قلوب الآخرين وخصوصاً الأطفال، وبين قدراتها المادية المتاحة، مع عدم إغفال الجانب المعنوي الذي يترك أثراً كبيراً في النفس، وهو تبادل مشاعر الحب والفرح والدعاء للآخرين.
شعور العائلات مع بعضها بعضا، هو الأساس في حال عدم توفر القدرة على تقديم عيدية وإن كانت بسيطة، والمهم هو استمرار التواصل بين الأسر وتوثيق صلة الأرحام، وإن كان عبر التزاور، وفي مثل هذه الظروف لا بد أن يهتم الأهل بتدريب الأبناء على الاستفادة من العيدية، وجمعها لشراء بعض الحاجيات النافعة والضرورية لهم.
أستاذ الفقة والشريعة الإسلامية الدكتور منذر زيتون، يقول "إن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله، ومشاركة الإنسان فرحته مع الآخرين عمل يؤجر عليه، وهذا التقارب والتهادي بين الأرحام من شأنه كذلك أن يزيل المشاحنات بين الأخوة والأقارب، خاصة وأن أولى الناس بهذا التقارب هم الأهل والأخوات والأزواج كذلك".
وينوه زيتون إلى أن نشر الفرح والسعادة بين الأقارب والأرحام، هو من الحقوق على الإخوة، وهذا يضفي أجواء الفرح لدى الأطفال، مشيرا إلى أن رمضان هو شهر التواصل والتراحم، والأقربون لهم الأولية في ذلك، وما العيدية إلا جزءا من هذا التواصل من دون أن يكون هناك مبالغة في ذلك.