العيد يأتي لأول مرة!

 

العيدُ لا يأتيني هذه المرّة من النافذة، وليس من الضرورة أن ألمسَ مجيئه اليوم بأن أمشي حذرا بعيدا عن الأرصفة حتى لا يرشقني دمُ الأضحية البريء، أو أنْ أتذرَّعَ للأرحام الرَّحِيمين بنبوءتي المرّة من السكري، التي تدفعني إلى التقليل من كل ما هو حلو!

اضافة اعلان

قد تبدو ملامح العيد اليوم مألوفة، بل وكثيرة التكرار، كما هي في مرَّتين على الأقل من كل عام، ما لم يطرأ عيد منسي من الذاكرة الوطنية، وأبدو قادرا على رسم تفاصيله بدقة متناهية: أصحو باكرا، وإنْ بعد الصلاة، أحملُ كيسا أسود من "المعمول البيتوتي" وأذهبُ إلى المقبرة التي يتجمَّعُ فيها أكبر عدد من الموتى... من ذوي القربى. ينتابني إحساس مُبكِّرٌ بالحزن، حين يبكي كبيرنا الهرِم، خاتما دعاءه للموتى: "أنتم السابقون ونحن اللاحقون"، ونتأكد جميعنا من النبض الطبيعي للقلب، ولا يكون إحساسا جيدا على أية حال في العاشرة من صباح العيد!

ندخل بيوتا لا نزورها إلا مرّتين كلَّ عام، نقبِّلُ القريبات المحرَّمات، ونبتسمُ من بعيد متمتمين بتحية العيد، لمن تبقى من صغيرات الأقارب اللواتي كُنَّ تجارب الحب الأولى، ونخرجُ على عجل بما يكفي رشْفَ قهوة العيد "السادة"، وكلام عابر عن أحوال عابرة!

يمكنني أن أستطرد أكثر، لكن "بروتوكولات" العيد كانت واحدة قبل هذا اليوم. الآن في هذا الصباح لستُ مضطرا لأن أخرجَ بثياب جديدة أو بتلك التي يتمّ تجديدها لملاءمة حالة فرح طارئ!

اليوم كذلك لن أجيبَ على المعايدات الباردة التي تتواتر على هاتفي مثل الرسائل الحكومية المزعجة...، ولا تزيد عليها رعشة واحدة!

رأسي لا يحتمل نقاشات سياسية عقيمة، فلن أتورَّط، كما في كلِّ مرة، في حكم سريع لأجزمَ أن السماء أقرب إلى رام الله منها إلى غزة، أو أن أنقض العكس!

كما أنه من السخف أن أوافقَ على ما يقوله رجل ينتهز فرصة العيد والاجتماع بأكبر قدر من الأقرباء الذين تجاوزوا الثانوية العامة، ليدلي بآرائه المدعمة للفتاوى التي صدرت منذ العيد الصغير!

ولستُ بذهنية صافية لأنْ أتوقعَ مآل الأمور السياسية المحلية المعلقة منذ ألف عيد فطر، بل أرى أنه من الحمق توقع مستقر لتلك الأمور غير الذي كان قبل ألف عيد أضحى!

اليوم العيد يأتي لأول مرة، يخرجُ من نافذتي إليكم، وتستطيعون تلمس ملامحه الجديدة، في هيئتي التي تتخفف من وقار زائف؛ أركضُ متحاشيا رصاصَ الأطفال الصوتي، أصرخُ معهم لأضيفَ موسيقى ناشزة تلائم فرحهم الصاخب العبثيِّ!

أقفُ على ناصية الطريق مراهقا لم يكتمل قلبه، وأدندنُ بأغنيات قليلة المستوى الموسيقي؛ ففي حالات الفرح التي لا تتكرر يحق لكل القواعد أن تخلعَ قيافتها، وتندمج معنا وتبرِّرَ لـ"محمد سعد" أن يُغني "حب ايه"!

يأتي العيد، هذه المرة، وخطوط كفي الغامضة تبدو واضحة تماما، وتستكمل مسيرها القدري في كف أخرى!

يأتي ونبضُ القلب ألعاب نارية تضيء في سماء حب، يجعلني على يقين أن كل "الأعياد" السابقة لم تكن أكثر من فترة "تشميس" لمحكوم بالمؤبد!

أستطيع أن أنقل إليكم فرحي بدقة متناهية؛ فهذه أول مرة يأتي العيد وأنا أصِفُ للناس الجنة من دون أن أكونَ في النار!!

أول مرة... بدلالة ألا أرسل اليوم إلا معايدة كلاسيكية لا تكلف فيها، في اتجاه واحد، فأقول "على طريقتي": "كل عام وأنتِ حبيبتي"!

[email protected]