العيش في الحظر..!

أخيرا وصلنا إلى حظر التجول المحتم بدءا من الأمس. ولا يمكن أن يكون التوقف الجبري عن التنقل شيئاً جميلاً، لكنه في حالتنا إجراء وديٌّ حقاً، هدفه حفظ الحياة. وهي تجربة جديدة على الأردنيين، بما يصاحب الجِدّة من التوقع والارتباك. لكنّ الآخرين تكيفوا معه، واجتازه بعضهم، حيث فُرض لمكافحة الوباء.اضافة اعلان
"التهافت" على شراء الحاجيات الأساسية –والكمالية أحياناً- كان طبيعياً في الساعات التي أعقبت صدور أمر الدفاع رقم 2. فالناس لم يعرفوا كيف ستكون بالضبط آليات الخروج من المنازل وفتح المحلات والتزود بأغراضهم في الأيام التالية. وحاول الجميع تذكُّر الحاجيات الناقصة في اللحظات الأخيرة. ولم يكن الاختلاط الذي سببه ذلك صحياً بالتأكيد، ولكن ما البديل؟ لا يمكن منع الناس من جلب حاجياتهم في غياب آليات بديلة للتزود بها سوى الذهاب إلى الأسواق.
في الصين، أهم تجربة في العالم مع الحظر بسبب كورونا الحالي، طوروا آليات جلب الحاجيات بسبب خبرة سابقة. ويكتب مواطن من هناك: "أنا في المنزل منذ شهر الآن. أطلب الطعام بواسطة هاتفي الذكي ويقوم ساعٍ بتوصيله إلى بوابة المجمع (السكني). في الصين، انطلق التسوق عبر الإنترنت بعد ظهور مرض "سارس" في العام 2003، ومنح ـ"جاك ما" الإلهام لابتكار "تاوباو"، وهي منصة للتسوق عبر الإنترنت يعتمد عليها الجميع في هذه الأيام".
في الصين، رأينا في فيديو سيدة تتسوق البندورة والفواكه وكل شيء بواسطة هاتفها، وتدفع بواسطته ثمن أي شيء، ويستلم الطبية أفراد أمن المجمع السكني ويضعونها أمام باب شقتها مع كل العمليات الاحترازية. ليس لدينا شيء من هذا، ولذلك نتساءل عما إذا كان ازدحام اليوم الذي سبق تطبيق الحظر سيتكرر نفسه في فترات رفع الحظر -أم أن هناك آليات مبتكرة لتخفيف احتمال العدوى بالاختلاط؟
القول بأن إعلان الحظر كان "مفاجئاً" في الأردن، فغير دقيق. كانت الإجراءات الحكومية التدريجية تشير بوضوح إلى هذه الوجهة، وبدلالة إجراءات الدول الأخرى التي تكافح الوباء. وقد تزود الكثيرون بحاجياتهم في الأيام التي سبقت الإعلان، لكن المسؤولون في خلية الأزمة لا بد أن يكونوا قد قدّروا ردة الفعل المتوقعة بعد الإعلان، وأخذوها في الاعتبار لدى حساب الأرباح والخسائر. كان لا بد لهذه اللحظة أن تأتي، بما لها وما عليها.
خبرة الحظر المنزلي، على صعوبتها، شيء يمكن اجتيازه. إنها في الحقيقة طريقة لتجنب المواجهة الخطرة مع عدو شبحي، الفيروس، وهي بذلك اعتناق للحياة -حتى مع إيقافها بعض مظاهر الحياة. وكانت الأشياء التي اشتكى منها الناس في الحظر: الملل، والتغير المتطرف للروتين، والاضطرار إلى التعامل مع الأطفال المتأثرين بالحظر هم أيضاً، وافتقاد العلاقات الاجتماعية –والقلق الطبيعي من الفيروس، وعلى الرزق لاحقاً، و(المشاجرات الزوجية).
للتعايش مع الحظر، يتحدثون عن الدردشة مع الأصدقاء على مواقع التواصل؛ والعمل من المنزل؛ القراءة، أو إنجاز مشاريع شخصية معطلة؛ أو حتى التسلي بالطبخ وتسجيل وبث فيديوهات منزلية عن اليوميات. وكما فهمنا، فإن تدابير الجهات المسؤولة، سواء في التعامل مع الإصابات، أو الإعلام، أو إدارة تزود الناس بحوائجهم وعدم إشعارهم بنقص الأساسات، كانت أهم عوامل تخفيف القلق. ولم نسمع عن شكاوى من الجوع بسبب الحظر، في ووهان أو غيرها. أما العامل المهم الآخر لتبديد القلق، فهو بدء العد العكسي في الإصابات، عندما يفوق عدد المتعافين الحالات الجديدة، وصولاً إلى "صفر مرضى".
دائماً تقريباً، قال الناس في الحظر أنهم تكيفوا مع الظروف الجديدة وابتكروا روتينات جديدة. وفي الحقيقة، تصبح قصص العيش في الحظر قصة قديمة، ويشرع الناس في تأمل التداعيات الأبعد لحالة التوقف العالمي. وقد لخص رسم على غلاف مجلة "الإيكونومست" حالة العالم اليوم: الكرة الأرضية وقد عُلقت عليها يافطة "مغلق". والتكهنات ليست متفائلة في أغلبها، خاصة بشأن الاقتصاد. وتتعقب القراءات مواطن الخلل الكثيرة في الأداء البشري التي كشف عنها الوباء؛ كيف أنفقوا على تطوير الأسلحة أضعاف ما أنفقوه على البحث العلمي والأدوية؛ كيف اشتروا الموت بأغلى مما دفعوا من أجل الحياة.
سوف يمضى هذا كما فعل غيره دائماً. وربما! ربما يغيّر شيئاً في النظرات العالمية للأمم والأفراد، نحو فهم هشاشة الكائن البشري والكف عن تآمره على نفسه. ربما!