الغاز المصري: سيناريوهات مفترضة

ليس مطلوبا أن نفرط في التفاؤل، بعد اتفاق الأردن ومصر على طي ملف الغاز. والحكم النهائي على إنهاء هذه المشكلة التي أنهكت الاقتصاد وعمّقت مشاكل المالية بحاجة للانتظار عدة أشهر، نراقب خلالها كميات الغاز المتدفقة من الجانب المصري، لنتأكد من مدى الالتزام بالاتفاق من عدمه.اضافة اعلان
التعامل الرسمي مع ملف الغاز يجب أن لا يسلّم باستمرار وصول كميات الغاز المتفق عليها والبالغة 250 مليون قدم مكعب يوميا، لتوليد حاجة المملكة من الكهرباء، والاستغناء عن استخدام الوقود الثقيل والديزل، والتي تكلف الخزينة نحو 1.7 مليار دينار سنويا، بحسب الأرقام الرسمية.
كلفة انقطاع الغاز مسألة بحاجة لدراسة أكثر عمقا، في ظل تضارب الأنباء حولها، خصوصا أن ثمة دراسات، تؤكد أنها تبلغ نحو 1.1 مليار دينار، بقيمة تنخفض كثيرا عن الأرقام الرسمية المعلنة.
بحسب المعلومات المتوفرة وغير المعلنة رسميا، تبلغ كلفة نقصان كل 50 مليون قدم مكعب من الكميات الأصلية نحو 300 مليون دينار، وثمة سنياريو وضعته وزارة المالية بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الاتفاق الأخير مع المصريين يفترض ورود 100-150 مليون قدم مكعب يوميا في 2013.
وتدفق كامل كميات الغاز وفقا للاتفاق بين الطرفين سيخفض دعم الكهرباء ليتراوح بين 350 - 450 مليون دينار سنويا فقط، تشمل كلف الهدر، الصيانة، والنمو الطبيعي لاستهلاك المملكة من الكهرباء.
الاختلاف في تقدير قيمة دعم الكهرباء بحاجة إلى سياسة أكثر انفتاحا وشفافية، ويتطلب أيضا إفصاحا من الحكومة حول قيمة الدعم المتوقع تبعا للسيناريوهات المفترضة حيال ضخ الغاز المصري، لبناء جسور ثقة بين المستهلك والمسؤولين.
بالضرورة، تتطلب إدارة ملف الغاز حكمة وبعد نظر، تقوم على وضع سيناريوهات مختلفة، السيناريو الأول هو التزام الجانب المصري بتوفير كامل كميات الغاز المتفق عليها. ومعنى ذلك، أن قيمة خسائر شركة الكهرباء الوطنية ستنخفض إلى الحدود الدنيا، والمقدرة بحوالي 450 مليون دينار بحده الأعلى، تمثل خسائر شركة الكهرباء.
في هذه الحالة مطلوب من الحكومة إعادة النظر في خطة رفع أسعار الكهرباء التي وضعتها سابقا، إلى جانب مراجعة موازنة المؤسسات المستقلة التي بنيت على أساس انقطاع الغاز، بحيث تنسجم مع المعطيات الجديدة.
هذه الفرضية إجمالا مريحة للحكومات، فقيمة الدعم مقارنة بما سيتحمله الاقتصاد في ظل انقطاع الغاز أو تذبذب كمياته أقل بكثير، إضافة إلى أنها تعطي عامل استقرار للاحتياطي الأجنبي، الذي استنزف انقطاع الغاز جزءا كبيرا منه.
أما السيناريو الثاني، فيستند إلى احتمالية استمرار انقطاع الغاز أو تذبذب كمياته، لأسباب مختلفة تبدأ من عمليات تفجير جديدة تطاول خط الغاز، أو عوامل داخلية ترتبط بالوضع الداخلي المصري، وكيفية إدارته لقطاع الطاقة.
الاحتمال السابق يبقى قائما في ظل عدم استقرار المشهد السياسي المصري، ويتطلب وضع خطة "ب" من قبل الحكومة، تقوم على الاستمرار في تطبيق خيارات جديدة للحصول على الغاز، ودعم خطط تطوير مصادر الطاقة الأخرى، حتى لا تتكرر الأزمات التي عاشها البلد في ظل أحادية مصادر الطاقة المستوردة سواء إبان احتلال العراق في العام 2003، أو انقطاع الغاز كما حدث قبل نحو عامين.
انفراج أزمة قطاع الطاقة المحلي، وتخفيض العبء الإضافي الذي تلقيه على الموازنة العامة، يرتبط بعاملين أساسيين، الأول: انخفاض قيمة النفط عالميا، وهذا الخيار لا يبدو ممكنا في ظل توقعات الخبراء لأسعار هذه السلعة الاستراتيجية، والثاني يرتبط بديمومة تدفق الغاز المصري، وهذا ما سيثبته الوقت. أزمة قطاع الطاقة لم تنته بعد، وما نزال نعتمد على معطيات خارجية في حلها.
والتخطيط الاستراتيجي يتطلب المضي بالعمل، وكأن الأزمة قائمة، بحيث نصل لمرحلة بعد سنوات تكون المملكة قادرة على إنتاج مصادر طاقة تعتمد على مواردها من يورانيوم، صخر زيتي، طاقة متجددة وغيرها، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، وعرضة لأزمات مفاجئة، تشل الاقتصاد، وتستنزف موارده، فهل من متعظ؟