الغضب على الآلات؟

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام روبوت نشط في أحد المصانع - (أرشيفية)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام روبوت نشط في أحد المصانع - (أرشيفية)

لورا تايسون، وسوزان لوند*

بيركلي- تغيِّر الآلات الذكية بشكل جوهري الطريقة التي ننتج ونعمل ونتعلم ونعيش بها في جميع أنحاء العالم؛ حيث سيتم تغيير كل جانب من جوانب اقتصاداتنا جذرياً من خلال تلك الآلات.اضافة اعلان
الآن، تستخدم شركات الخدمات اللوجستية الرئيسية والسائقون من الأفراد تكنولوجيات جديدة لتحسين تخطيط مسارهم، علماً بأن الشركات مثل شركة "بي. أم. دبليو" وشركة "تيسلا موتورز" قد طورتا فعلياً آليات للقيادة الذاتية في سياراتهما التي يتم إنتاجها بمساعدة الروبوتات المتطورة. وتستخدم وكالة "أسوشيتد برس" الذكاء الاصطناعي للمساعدة في كتابة القصص الإخبارية، كما يتم استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج قطع الغيار -لكل من الآلات والبشر على حد سواء. وتقدم شركة "إيه. تي. آند تي"، بالتعاون مع منظمة "أوداسيتي" دورات على الإنترنت "نانوديجريز" في مجالات مثل تحليل البيانات. وتقوم طائرات من دون طيار بتوصيل الإمدادات الصحية إلى المناطق النائية في البلدان الفقيرة.
من المؤكد أن هذه التكنولوجيات الجديدة الرائعة تبشر بإنتاجية أعلى وكفاءة أكبر والمزيد من السلامة والمرونة والراحة، ولكنها تعمل أيضاً على تأجيج المخاوف من آثارها على الوظائف والمهارات والأجور. وقد زادت من تلك المخاوف الدراسة التي أجراها مؤخراً كارل فراي ومايكل أوزبورن من جامعة اكسفورد، ودراسة أخرى أجراها معهد ماكينزي العالمي، حيث وجدت الدراستان أن جزءاً كبيراً من الوظائف في كل من البلدان النامية والمتقدمة يمكن أن يتم تشغيلها آلياً من الناحية الفنية. لكن التاريخ والنظرية الاقتصادية يشيران إلى أن القلق بشأن البطالة التكنولوجية -وهو مصطلح صاغه جون ماينارد كينز منذ ما يقرب من قرن مضى- هو قلق غير مبرر وفي غير محله.
في المستقبل، كما كان الحال في الماضي، من المرجح أن يؤدي التغيير التكنولوجي إلى زيادة المكاسب الإنتاجية ونمو الدخل، مما يعزز الطلب على الأيدي العاملة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يزداد أيضاً انخفاض الأسعار وارتفاع الجودة والطلب على السلع والخدمات، حيث أن العديد من الوظائف التي يتم إنشاؤها لا يمكن حتى تصورها اليوم، تماماً كما لم يتوقع الكثير من الناس قبل قرن من الزمان أن يتم استخدام السيارات في المطاعم من خلال خدمة تقديم الطعام لركاب السيارات أثناء جلوسهم فيها، في المطاعم والفنادق الصغيرة على الطرق العامة.
ووجد تقرير جديد لمعهد ماكينزي العالمي أنه في ظل سيناريو معتدل لسرعة واتساع نطاق الأتمتة، يمكن أن يتم تسريح حوالي 15 % من القوى العاملة العالمية، أو 400 مليون عامل من الآن وحتى العام 2030، علماً بأن زيادة إيقاع الأتمته قد يؤدي إلى تسريح عدد أكبر من العمال.
الخبر السار هو أنه نتيجة للزيادات المتوقعة في الطلب على السلع والخدمات التي تتأثر بالدرجة الأولى بزيادة الدخل، والاحتياجات المتزايدة للرعاية الصحية للسكان المسنين، والاستثمار في البنية التحتية، وكفاءة استخدام الطاقة والطاقة المتجددة، فمن المحتمل أن يتم خلق عدد كاف من الوظائف الجديدة لتعويض الوظائف التي سيتم خسرانها. ولكن الوظائف الجديدة سوف تختلف بشكل كبير عن الوظائف التي انتهت لصالح الأتمتة، مما سيفرض تكاليف مؤلمة فيما يتعلق بهذه المرحلة الانتقالية على العمال والشركات والمجتمعات المحلية.
بناء على سرعة وإيقاع الأتمتة، سوف يحتاج 75-375 مليون عامل أو 3-14 % من القوى العاملة العالمية إلى تغيير الفئات الوظيفية بحلول العام 2030؛ حيث قد تحتاج 9-32 % من القوى العاملة في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة التي من المحتمل أن تحدث فيها الأتمتة بسرعة أكبر إلى تغيير الفئات الوظيفية والمهارات المرتبطة بها.
وفي هذه البلدان، من المرجح أن تنخفض فرص العمل في الفئات الوظيفية الرئيسية، مثل الإنتاج والدعم المكتبي والوظائف التي تتطلب تعليماً ثانوياً أو أقل، في حين أن الوظائف في الفئات الوظيفية مثل توفير الرعاية الصحية والتعليم والبناء والإدارة، والوظائف التي تتطلب درجة جامعية أو درجة متقدمة سوف تزداد.
ووفقاً لدراسة حديثة، يشعر غالبية الأميركيين بالقلق من أن الأتمتة سوف تزيد من عدم المساواة في الدخل، ويبدو أن هناك ما يبرر قلقهم. وبما أن العديد من الوظائف ذات الأجور المتوسطة ستذهب للأتمتة، فمن المرجح أن يستمر استقطاب الدخل في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة. وإذا لم يتمكن العمال الذين خسروا وظائفهم بسبب التشغيل الآلي من العثور على وظائف جديدة بسرعة، فإن البطالة المرتبطة بالانتقال من وظيفة إلى أخرى سوف ترتفع، مما يضع ضغطاً هبوطياً على الأجور.
وإذن، ما الذي يمكن عمله لتسريع وتسهيل التحولات الوظيفية بسبب الأتمتة؟ أولاً، تعد السياسات المالية والنقدية التي تحافظ على مستويات التوظيف الكامل للطلب الكلي أمراً بالغ الأهمية؛ حيث إن السياسات لتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والإسكان والطاقة البديلة ورعاية الشباب والمسنين، يمكنها أن تعزز القدرة التنافسية الاقتصادية والنمو الشامل، في حين من المرجح أن تساعد الأتمتة في خلق الملايين من فرص العمل في المهن عوضاً عن فقدانها.
يجب أن يكون الرد الثاني بمثابة توسع جذري في برامج تدريب القوى العاملة وإعادة تصميمها. فخلال العقدين الماضيين، انخفضت النفقات الحكومية من أجل التدريب على المهارات والتكيف مع سوق العمل في معظم بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد تفاقم ذلك في الولايات المتحدة بسبب الانخفاض الكبير في إنفاق قطاع الأعمال على التدريب أيضاً.
يجب عكس هذه الاتجاهات، ويجب أن يصبح التعلم المستمر حقيقة؛ حيث إن الوظائف سوف تتغير مع استيلاء الآلات على بعض المهام. وسوف تتطلب الأنشطة البشرية مهارات مختلفة. وقد أظهر تحليل معهد ماكينزي العالمي أن القدرات المعرفية عالية المستوى -مثل التفكير المنطقي ومهارات التواصل الأقوى والمهارات الإجتماعية والعاطفية المحسنة- سوف تصبح أكثر أهمية في حين تتولى الآلات المهام الروتينية التي نراها في أماكن العمل اليوم، بما في ذلك بعض المهام المعرفية مثل جمع البيانات والتعامل معها.
وبالنسبة للعاملين في منتصف حياتهم المهنية والذين لديهم أطفال ورهون عقارية ومسؤوليات مالية أخرى، فإن التدريب الذي يقاس بالأسابيع والشهور -وليس بالسنوات- سوف يكون ضرورياً، وكذلك الدعم المالي للقيام بهذا التدريب، حيث لن يكون إرسال هولاء الأشخاص للحصول على درجات تحتاج لسنتين على نفقتهم الخاصة هو الجواب.
بدلاً من ذلك، من المرجح أن تزداد أهمية الدورات على الإنترنتت "نانوديجريز" والشهادات خلال الحياه المهنية للأشخاص. ويمكن أن يشكل التدريب المهني على النمط الألماني، الذي يجمع بين العمل في الفصل الدراسي والعمل التطبيقي وتمكين المشاركين من الحصول على راتب أثناء التعلم، حلولاً مهمة حتى بالنسبة للعمال الذين خسروا وظائفهم في منتصف العمر. إن التعاون بين الشركات والمؤسسات التعليمية كما هو الحال فيما يتعلق بالتعاون بين "إيه تي آند تي" (والتي تعمل إحدى كاتبتي هذا المقال في مجلس إدارتها) و"ستاربكس" وغيرها من الشركات، يمكن أن يوفر للعمال مهارات جديدة أو معززة، والتي يصبحون بحاجة إليها بشكل متزايد.
وقد يكون من الضروري أن يتم فرض ضرائب وحوافز أخرى لتشجيع زيادة استثمار الشركات في مجال تدريب القوى العاملة، ولا سيما من جانب الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. وسوف تحتاج الحكومات أيضاً إلى تقديم المزايا الاجتماعية العالمية والمتنقلة، مثل الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والضمان التقاعدي، فضلاً عن دعم الانتقال من وظيفة إلى أخرى للعمال الذين يضطرون إلى تغيير الوظائف والمهن وأصحاب العمل في كثير من الأحيان. وتقدم مجالس الأمان الوظيفي في السويد التي يديرها القطاع الخاص وتمولها ضريبة الرواتب على الشركات للعمال الذين فقدوا وظائفهم مجموعة شاملة من دعم الدخل والتدريب والتوجيه والتقييم مع الأخصائيين الإجتماعيين.
تبشر الأتمتة اليوم، مثل التكنولوجيات السابقة، بمكاسب كبيرة في الإنتاجية؛ حيث إنها تفيد الأفراد والمجتمعات المحلية والمجتمعات بشكل عام. ولكن بالنسبة لملايين العمال، يمكن أن يكون الطريق نحو مستقبل تتحكم به الأتمتة بشكل متزايد طويلاً وصعباً. والأمر متروك لنا لاتخاذ خيارات السياسة والاستثمار التي يمكن أن تسهل عملية الانتقال وتخفض من تكاليفها وتضمن تقاسم أرباح الدخل بشكل منصف.

*لورا تايسون، رئيسة سابقة لمجلس الرئيس الأميركي للمستشارين الاقتصاديين، أستاذة في كلية هاس للأعمال في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومستشارة كبيرة في مجموعة روك كريك، وعضو مجلس جدول أعمال المساواة بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي العالمي.
*سوزان لوند، هي شريك لشركة ماكينزي وشركاه وقائدة في معهد ماكينزي العالمي.
*خاص بـ "الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".