الغور الشمالي: مصير مزروعات رهن سنوي بصلاحية مضخات قديمة

default
الغور الشمالي: مصير مزروعات رهن سنوي بصلاحية مضخات قديمة

علا عبد اللطيف

الغور الشمالي- عين على الزرع وأخرى على قنوات المياه، تحت لهيب أجواء الغور الحارة، فيما الآذان صاغية لسماع أزيز مضخات تعاقبت عليها عقود تحت الخدمة، ذاك الأزيز الذي يعلن عن بدء إسالة مياه الري، وعودة الحياة الى عروق مزارعين كادت تعصف بهم سيناريوهات تعطل المضخات وفوات دورهم في ري مزروعاتهم.

اضافة اعلان


تتكرر القصة، تحت عنوان "مضخات 24"، والتي يعتمد عليها قرابة 50 مزارعا في الغور الشمالي لري أراضيهم، بإشراف من سلطة وادي الأردن، فيما تتنوع فصولها بين مخاوف تعنت المضخات عن التشغيل في أي وقت، وشكاوى من عدم التزام موظفي السلطة بآلية توزيع الدور وتركه أحيانا للمزارعين أنفسهم للقيام بالمهمة.


وبين اتهامات عدم الالتزام والاستبعاد الرسمي لذلك والذي وصل حد النفي، قد تدفع مساحات واسعة مزروعة بمختلف الأصناف الثمن، اذ إن فوات موعد ريها مع ارتفاع درجات حرارة تزيد أحيانا على 40 درجة مئوية، يعني جفافها وفي أحسن الأحوال تأخر نموها اذا ما تم تدارك عطشها.


القصة وفق رواية مزارعين، تبدأ بتأكيدهم أن موظفي السلطة غائبون عن المشهد ويتقاعس بعضهم عن الوصول الى المزارع من أجل تشغيل المضخات وفق الدور، فيما يوكلون المهمة الى بعض المزارعين ليصبح تنظيم دور الري معتمد على "الهمة".


وقالوا إن آلية العمل هذه، ستلحق بهم خسائر وتبقيهم تحت رحمة المفاجآت، متسائلين كيف يمكن أن تتطور زراعة تعتمد على حسابات المراهنة في تأمين المياه.


المزارع عامر الطلاع احد المتضررين من المشكلة يقول "إن القائمين على إدارة وتشغيل المضخات هم المزارعون أنفسهم، جراء غياب موظفي السلطة وتقاعسهم عن الوصول الى المزارع"، وتابع في حديثه له مع "الغد"، "هناك تهاون من العاملين وإهمال كبير جدا وهذا سيلحق ضررا بالمزروعات الصيفية التى يعتمد عليها مزارعو اللواء في تسديد ديونهم المتراكمة وتعويض موسم الشتاء الذي ضرب جراء موجة الصقيع والأمراض الفطرية ناهيك عن الظروف التسويقية السيئة".


وأكد الطلاع "غياب الموزع المسؤول عن خطوط المياه في حال إسالتها"، موضحا ان "أي زيادة او نقصان في كمية المياه المسالة الى المزروعات بواسطة الضخ قد تلحق الضرر بالمزروعات" مطالبا السلطة، "بالعمل على تنظيم الدور وتشديد الرقابة على موظفيها قبل فوات الأوان وخصوصا أن فصل الصيف على الأبواب والذي يعد من أهم المواسم بالنسبة لهم".


محمد الرياحنة مزارع آخر، يطالب السلطة بضرورة إجراء الصيانة الدورية اللازمة للمضخات والتي تم تركيبها منذ عشرات السنين، او العمل على تبديلها إن أمكن، وخصوصا ان عمرها التشغيلي، وفق تقديره قد انتهى.


يقول الرياحنة، "أعمال الصيانة التي تقوم بها السلطة أصبحت غير مجدية"، وتابع "الأعطال تكتشفها السلطة في الوقت الذي يكون فيه دور ضخ المياه لمزارعهم قد انتهى"، موضحا أن "ذلك يتسبب بضرر للمزروعات التي تبقى محرومة من الري ريثما يتم إصلاح العطل، الذي يتطلب وقتا وجهدا ويكون الدور قد انتهى".


ويؤكد مزارعون، أن أغلب الأحيان لا يتم إصلاح العطل في ذات الوقت، لأنه يحتاج إلى كادر فني كبير، ما يؤخر ذلك عملية الري، ويكبد المزارع في ذلك اليوم ري المزروعات على حسابه الخاص، من خلال صهاريج المياه التي تثقل أثمانها كاهل المزارعين وخصوصا صغار المزارعين غير القادرين.


وأكد المزارع علاء الخطيب، أن "تعطل المضخات بشكل مستمر يؤثر سلبا على المزروعات وخصوصا أشجار الحمضيات، والتي تكون بأمس الحاجة للمياه في الوقت الحالي، فيما تشكل نسبة زراعتها في اللواء قرابة 90 % من الزراعات الكلية".


وقال إن "كمية المياه التي تصل للمزارع ضئيلة جدا في حالة الأعطال، وخصوصا إذا كانت دورة المياه مشتركة مع مزارعين آخرين، وهذا يوثر سلبا على أشجار الحمضيات التي تحتاج إلى كميات من المياه خاصة في هذا الوقت مع ارتفاع درجات الحرارة"، مشيرا إلى أن "ارتفاع الحرارة وسط نقص مياه الري أثر سلبا على العملية الزراعية كاملة، بحيث بدأت تظهر علامات الجفاف على أوراق الأشجار، وسقوط الثمار للموسم الشهري، والذي يعتمد عليه عشرات المزارعين في تسديد الالتزامات المالية المتراكمة عليهم".


وقال "أضطر الى دفع كلف إضافية لحماية محصول الخضراوات من الجفاف والحشرات بسبب شح مياه الري في أجواء منطقة غور الأردن الحارة، التي تلامس في الصيف 50 درجة مئوية".


وتابع أن "ارتفاع الحرارة ونقص مياه الري كبد مزارعين خسائر كبيرة نتيجة سقوط الثمار وجفاف بعض الأشجار".


وأشار إلى أن "قلة المياه عادة ما ينتج عن تعطل المضخات التابعة لسلطة وادي الأردن، وهو ما يحرم المزارعين من حصصهم المائية المخصصة لهم".


المزارع صابر ابو عبطة هو الآخر يعاني من نفس المشكلة يقول ابو عبطة إن "مزروعات وادي الأردن الصيفية مثل الملوخية والبامية والذرة، تحتاج إلى كميات وفيرة من المياه، وفي حال قلت كمية المياه الواردة لسقاية المزارع، قد يضطر المزارع الى شراء مياه من الصهاريج الخاصة، وهي كلفة اضافية للعمل الزراعي، تضاف الى كلف نقل الأسمدة، وأجور العمال وأثمان الكهرباء"، مشيرا الى أن "الوضع الزراعي في وادي الأردن يتراجع جراء الانتكاسات المتكررة، فيما المزارع يجد نفسه وحيدا في مواجهة العديد من تحديات العمل الزراعي".


ولفت إلى أن "بعض المضخات تم تركيبها في سبعينيات القرن الماضي، ولم تعمل السلطة على تغييرها، بل تكتفي فقط بإجراء أعمال الصيانة لها وتبديل بعض القطع"، مشيرا إلى أن التنوع الزراعي يتطلب التماشي مع التطور والبحث عن مضخات أفضل من ذلك".


سلسلة الشكاوى التي ربطها المزارعون بدت غير متينة أمام ما يؤكده مصدر من سلطة وادي الأردن قال إن "موظفي السلطة يحرصون كل الحرص على توصيل حصص مياه الري للمزارعين، عبر مضخات مجاورة صالحة وغير معطلة"، فيما يضيف أن "تعطل المضخات وإن حصل عادة ما يكون بسيط ويحدث بين الحين والآخر".


ورغم إقرار المصدر بقدم المضخات التي تعمل السلطة على تطويرها، غير انه استبعد ان تكون هناك أي خسائر للمزارعين، وأن نسبة الضرر التي لحقت ببعضهم لا تذكر ولم يتم تسجيل أي أضرار، مشددا على ان السلطة ماضية في تحسين المضخات وتطويرها من اجل استمرار عمل المزارعين".


على ما يبدو، فإن عدم تعرض مزارعين لأي كارثة حتى الآن يعني أن الأمور مطمئنة، وتبقى سيناريوهات التشائم مستبعدة رسميا، فيما سيستمر عمل المزارعين تحت رحمة مضخات قديمة، لا تعبأ بجهدهم وما انفقوه على زراعاتهم، فقد تقرر دون سابق إنذار التوقف المفاجئ عن العمل، تاركة مساحات من الأشجار والمزروعات الأخرى لمصير الجفاف.


ورغم اتصال "الغد" المتكرر بالأمين العام لسلطة وادي الأردن المهندسة منار المحاسنة، الا أنها لم تجب، لكن علمت "الغد" من مصادر مطلعة أن مسؤول المرحلة الثانيه لمياه الري في سلطة وادي الأردن منير ابو هنية قام بزيارة ميدانية للمنطقة لمتابعة مشكلة إسالة المياه من أجل حلها لتفادي أي خسائر مالية قد تلحق بالمزارعين.


وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية بمناطق وادي الأردن حوالي 330 ألف دونم، تستفيد منها 11 ألف أسرة في وادي الأردن تعتمد على القطاع في معيشتها، في الوقت الذي يقبع فيه أكثر من ثلثي سكان الوادي تحت خط الفقر، مع ارتفاع مستمر في نسبة البطالة، خاصة بين الشباب خلال السنوات الأخيرة.

 

إقرأ المزيد :