الـ10 % المغضوب عليهم

سلامة الدرعاوي ما سأكتبه سيخالف الغالبية العظمى من آراء المجتمع والحكومة معاً حول فئة اجتماعيّة واقتصاديّة تتحمل وزر العمليّة التنمويّة برمتها، ومع كل ذلك فهي متهمة على الدوام بالانتهازية والاستغلال. فئة الـ10 % من المجتمع التي دائماً ما تتحمل ملف فشل السياسات الحكوميّة في إدارة الاقتصاد الوطنيّ، وتدفع ثمن تداعيات التراجع الاقتصاديّ، وتتحمل كلفه من جيوبها ودخولها سواء أكانت شركات أم أفرادا، وكل ذلك تحت مظلة أنهم ميسورو الحال وبالتالي من واجبهم القيام بذلك. هذا صحيح، هم ميسورو الحال، وفي كل دول العالم وعلى مرّ العصور موجودة هذه الفئات ميسورة الحال ومن واجبها أن يكون ما تدفعه أعلى بكثير مما يدفعه الآخرون، وهذا أمر عادي ومنطقي ولا اعتراض عليه. لكن الملفت بمعادلة التعامل الرسميّ مع هذه الفئة وفق القاعدة الصفرية، أي أنهم يدفعون وغيرهم لا يدفع تحت حجج ومسميات مختلفة، ليس لها علاقة بأي بعد أو نظرية تنمويّة أو حتى ليس لها علاقة فيما يسمى بتوزيع مكتسبات التنمية. فالحكومات التي فشلت في وضع إطار اقتصادي عادل بين فئاته، أو حتى تنظيم العملية التنمويّة والاقتصاديّة في المجتمع سرعان ما تلجأ إلى الحلول الأسرع في معالجة تشوّهات سياساتها وإجراءاتها المختلفة، وبغرض تمريرها لتلك الصفقات أو البرامج "المتعثرة اقتصاديّاً" تلجأ إلى خطاب إعلامي شعبوي يزيد من حالة الاستياء والانقسام في الشّارع دون قصد، لا بل أيضاً يتولّد خطاب للكراهية في المجتمع. فالحكومة عندما تريد تمرير التعرفة الجديدة للكهرباء تطل علينا بحديث مكرر بأن الزيادة الجديدة لن تطال 90 % من المشتركين، وأن هناك 10 % فقط من سيتأثر بالزيادة المقبلة. والحكومة عندما عدلت قانون ضريبة الدخل، كان العنوان الرئيسي لها بأن هناك ما بين (85 %- 90 %) من المواطنين لن يدفع ضريبة دخل، وأن فقط ما يقارب 10 % هم من سيدفعون الزيادة الجديدة في الضريبة. فئة الـ10 % هي ذات الفئة التي تدفع أعلى أقساط للضمان الاجتماعيّ بحكم أنها الأكثر دخلا وهذا منطقي، لكن ليس من المنطقي أن تروج بعض الجهات الرسميّة بالحديث المتواصل بأن أعلى راتب تقاعدي بلغ 13600 دينار، وأن الذين تتراوح رواتبهم بين 5 آلاف إلى 10 آلاف دينار يبلغ عددهم 270 متقاعدا، في حين أن أدنى مبلغ يتقاضاه متقاعد يبلغ 130 دينارا بينما يتقاضى 20 متقاعدا في الأردن راتبا يصل إلى 10000 دينار وأكثر، فهذا كله حديث شعبوي يدين السياسات الاقتصاديّة المعمول بها من جهة، ويتناسى أن هذه الفئات التي تحصل على تقاعد كبير هي بالأصل التي دفعت أعلى اشتراكات من دخلها، وهو الذي ساعد بالأساس على استمرارية اشتراكات الضمان لباقي الفئات، لا بل وتدفع مجددا ضريبة عليه علما أنها دفعتها في السابق. فئة الـ10 % من المجتمع والتي دائما ما توجّه لهم كلمات وعبارات تدلل في بعضها على تنمر يتنامى باتجاههم هم أساسا غير مكلفين على أجهزة الدولة المختلفة، فهم الذين يدفعون 90 % من ضريبة الدخل، وشركاتهم تدفع أكثر من 70 % من إجمالي الضريبة، ويدفعون فواتير الكهرباء غير المدعومة، وهم الأكثر استهلاكا، وهم بعيدون كل البعد عن أي مظاهر للدعم الحكومي الموجّه لهم سواء أكان بالقطاع الصحي أم التعليمي، وهم من يملكون أكثر من 80 % من الودائع في البنوك، وهم الذين يشغلون أكثر من 90 % من القوى العاملة في الأردن، وهم من يشكلون عمود الصادرات الوطنيّة، وهم الفئة الأكثر تبرعا لمختلف المبادرات الوطنيّة كما حدث في مبادرة همة وطن على سبيل المثال التي جمعت ما يقارب الـ100 مليون دينار لدعم المجهود الصحي لمواجهة تداعيات كورونا في المملكة. هذه الفئة أي 10 % من المجتمع لا تشتكي أبدا، ولا ترد على خطاب الكراهية في المجتمع والذي بات يتعامل معها كأنها "بقرة حلوب" فقط عليها الدفع، دون النظر إلى دورها الوطنيّ في التنمية، فهؤلاء أبناء وطن حققوا ثرواتهم من الداخل والخارج بفضل عقولهم وإدارتهم الرشيدة وكفاءاتهم في الاستثمار وتنمية الأموال والمشاريع التي تشغّل وتوظف وتصدّر وتنمي المجتمع، وبالتالي لا يجوز إبقاء هذا الخطاب ضد هذه الفئة التي باعتقادي البسيط أنها فئة وطنيّة بامتياز تستحق كل تقدير واحترام على ما تتحمله وما تقوم به في الاقتصاد الوطنيّ.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان