الفتور الوطني العام

كان يمكن أن أستخدم بدل الفتور في العنوان أعلاه كلمات أشد وطأة، لكنها صحيحة أيضا، مثل الإحباط أو التشاؤم العام. لكنني لا أريد إعطاء أي انطباع بالمبالغة، كما لا أريد تدخل يد المحرر في تغيير العنوان كما حصل آخر مرّة! أو حجب المقال بالكامل كما حصل في المرة التي قبلها، وهو ما يدل بوضوح على أن الضغوط على حرية التعبير باتت ثقيلة إلى هذه الدرجة. وأرجو من التحرير عدم حذف هذه الفقرة، ما دام الزميل فهد الخيطان، مستشار التحرير في "الغد" أكّد في تصريحات علنية وجود هذه الضغوط!اضافة اعلان
لقد جاهدنا على مدار العقد الأخير، وبالخطاب الأكثر مرونة واعتدالا، لدفع الحكومات نحو أفكار الإصلاح والتغيير، ودفع الدولة إلى "التزحزح" عن الأساليب السلطانية القديمة في الحكم، واعتماد برنامج حقيقي للتنمية السياسية والمشاركة الديمقراطية، وصولا إلى وجود حكومات برلمانية منتخبة ذات سيادة على الشأن العام، تضع كل مؤسسة من مؤسسات الدولة بحجمها ودورها الصحيح، وعلى رأسها المؤسسة الأمنية، ولم نفلح، بالرغم من أن الإصلاح بات ضرورة وليس خيارا، كما يؤكد جلالة الملك.
ومع أن البعض لم يستطع يوما أن يؤمن بأن الديمقراطية الفعلية جديرة بمجتمعنا، أو أنها يمكن أن تسهم في ترشيد الحكم والإدارة العامة، وذلك بسبب الثقافة المجتمعية السائدة والنقيضة لقيم ومفاهيم المواطنة والدولة الحديثة، فقد كنا على قناعة أن التغيير والتقدم، بما في ذلك تغيير تلك الثقافة السائدة، يمر بالذات عبر تحميل الناس المسؤولية، والمشاركة في السلطة عبر صناديق الاقتراع، لتقرير من يحكمهم ويدير شؤونهم، فيكونون مسؤولين هم عن النتيجة إذا كانت فشلا أو نجاحا.
ومع الربيع العربي، أصبح برنامج التغيير على جدول الأعمال الفوري، وبمستوى أكثر جذرية من أي وقت مضى. لكن، بعد عام ونصف العام من الحراك، تخلله بعض المنجزات، نرى -ويا للصدمة- أننا بصدد العودة إلى نقطة الصفر!
ولننظر فقط إلى المناخ الذي يحيط بالانتخابات الأردنية مقارنة مع المناخ الذي أحاط بالانتخابات المصرية أو التونسية أو الليبية، أو حتى في المغرب وهي البلد الشبيه بنا كنظام ملكي أنجز إصلاحه السياسي قبلنا! هل نتذكر التحفز والحماس إلى درجة حبس الأنفاس في كل واحدة من تلك الانتخابات التي كانت بصدد أن تقرر فعليا، وعبر صناديق الاقتراع، من سيتولى سلطة الحكم، ولأول مرة في تاريخ كل بلد؟!
أين الحماس هنا؟! أين التحفز؟! أين الجدل حول البرامج والمواقف؟! هل تحتاجون أن نشرح لكم السبب؟! نحن نحث الناس ونتابعهم للذهاب واستلام بطاقات الانتخاب، لكن هناك فتور عام لا ينفع معه التجييش الإعلامي السقيم، وفرد صفحات لتقارير مكرورة لا يقرأها أحد. في ظلّ الصوت الواحد والمقاطعة، لا أرى سوى تبادل التخمينات المتثائبة حول المستقبل! ولا أكاد أجد شخصا يقتنع بأننا أمام محطة مفصلية حاسمة للتغيير.

[email protected]