الفجوة بين خطاب صندوق النقد الدولي وممارساته

المتتبع لعمل صندوق النقد الدولي خلال السنوات القليلة الماضية يستطيع أن يلحظ بوضوح الفجوة بين ما يعلنه ويستخدمه صندوق النقد الدولي في تقاريره المتعددة من أهداف ومفاهيم وبين السياسات الاقتصادية التي يفرضها على الحكومات التي ترتبط معه باتفاقيات إعادة هيكلة وتحت مسميات متعددة.اضافة اعلان
نركز على مناقشة أعمال صندوق النقد الدولي الذي يختتم اجتماعاته السنوية هذا الأسبوع للدور الكبير الذي يلعبه الصندوق في تحديد ملامح سياسات الدول المرتبطة معه باتفاقيات – ومنها الأردن- ودفعها باتجاه العمل بموجب خيارات وسياسات اقتصادية محددة، من خلال تطبيق سياسات تقشفية غير اجتماعية ولضمان قدرتها على سداد ديونها.
احتوت تقارير صندوق النقد الدولي خلال السنوات القليلة الماضية على مفاهيم جديدة لم يعتد على استخدامها سابقا، وأهمها استهدافه محاربة التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية والتركيز على النمو الاحتوائي أو الشمولي Inclusive growth لضمان توزيع عوائد النمو الاقتصادي على مختلف مكونات المجتمع.
ورغم هذا التغيير في الخطاب وأدوات التحليل المستخدمة، الا أن السياسات الاقتصادية التي يفرضها الصندوق وخبرائه لم تتغير، فما تزال هذه السياسات تعمق التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية داخل البلدان المختلفة ومن بينها الأردن.
ولتخفيف عجز الموازنات العامة، ما تزال شروط صندوق النقد الدولي تتمحور حول تقنين الانفاق الحكومي على الحمايات الاجتماعية بحجة زيادة فاعلية هذا النوع من الانفاق، وتشجيع الحكومات على التوسع في فرض ضرائب غير مباشرة، وهذا كان وما يزال واضحا في مثالنا نحن في الأردن، حيث أصبحت الإيرادات الضريبية غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة) تشكل 75 بالمائة من مجمل الإيرادات الضريبية، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تعميق التفاوت الاجتماعي.
وما تزال شروط الصندوق تذهب باتجاه التخفيف من فاتورة الأجور في القطاع العام للتخفيف من الضغط على النفقات العامة، وغالبية القطاعات الأساسية والحيوية في القطاع العام تشهد نقصا في الموظفين وأهمها قطاعي الصحة والتعليم، إضافة الى أن مستويات الأجور في القطاع العام منخفضة إذا ما قورنت مع مستويات المعيشة المرتفعة، وهذا يؤدي بالضرورة الى اضعاف جودة الخدمات الحكومية من جهة، واستمرار وتعمق التفاوت الاجتماعي واضعاف معايير التنمية المستدامة من جهة أخرى.
يضاف الى ذلك، فإن صندوق النقد ما يزال يشجع الحكومات على تطبيق سياسات عمل مرنة والتي تعني ببساطة تخفيف معايير العمل الأساسية بشكل أقل من معايير العمل اللائق، لتشجيع الاستثمار وبناء ميزات تنافسية للأردن في السوق العالمي، وهذا يؤدي بالضرورة الى تركز الثروة بأيدي عدد محدود من المجتمع، ويؤدي أيضا الى استمرار وتعمق التفاوت الاجتماعي، ويعاكس مفهوم النمو الشمولي.
لقد بات من الضروري أن يلتفت خبراء صندوق النقد الدولي الى هذه الفجوة بين أدوات تحليلهم وخطابهم، وبين آثار السياسات التي يفرضونها على الدول - التي تضطر الى توقيع اتفاقيات مع الصندوق - على الأهداف التي ينادون بها، فتخفيض عبء الضرائب غير المباشرة واحترام معايير العمل اللائق وتعزيز دور القطاع العام في المجتمعات، شروط أساسية لوضع حد للتفاوت الاجتماعي وتعزيز النمو الشمولي التي ينادي بها الصندوق.