الفخ اللبناني

شبان محتجون خلال مواجهات مع قوات الأمن في طرابلس يوم السبت الماضي.-(ا ف ب)
شبان محتجون خلال مواجهات مع قوات الأمن في طرابلس يوم السبت الماضي.-(ا ف ب)
هآرتس تسفي برئيل 15/6/2020 القنابل الحارقة التي ألقاها مئات المتظاهرين على المكاتب الحكومية والبنوك في بيروت وطرابلس، والاطارات المشتعلة وقوات الشرطة التي اطلقت الغاز المسيل للدموع، وقوات الجيش اللبناني التي استخدمت القوة الزائدة – هي ليست فقط تذكير بالاحتجاج الكبير الذي اندلع في لبنان قبل ازمة الكورونا، بل هي قلب الاحتجاج الذي انتظر رغما عنه ثلاثة اشهر، والآن لم يعد يتوقف. لبنان ما يزال مصابا بالكورونا، لكن الازمة الاقتصادية هي التهديد الوجودي الحقيقي. وفي يوم الجمعة الماضي عقد رئيس الحكومة، حسان ذياب، جلسة طارئة للحكومة من اجل اتخاذ قرارات تتعلق بخطوات اقتصادية جديدة كي تخفف الغضب وتقدم حل على المدى القصير على الاقل. في الشارع سمعت دعوات لاقالة الحكومة ومحافظ البنك المركزي، رياض سلامة، الذي يعتبره الجمهور عدوا للشعب وأنه الشخص الذي تسبب بالاضرار الاقتصادية التي استمرت لسنوات. ولكن أي شيء من هذه الامور لم يتحقق. فالمحافظ بقي في مكانه وايضا الحكومة. خطوات اقتصادية؟ لقد تقرر ضخ المزيد من الدولارات الى السوق من اجل خفض سعر الدولار الذي قفز مؤخرا الى سعر 7 آلاف ليرة لبنانية، مقابل السعر الرسمي الذي تم تحديده في التسعينيات وهو 1507 ليرة للدولار. السعر انخفض حقا بقليل بعد جلسة الحكومة، لكن ليس من الواضح كم من الدولارات يستطيع البنك المركزي ضخها في الوقت الذي فيه الخزينة فارغة. الدين الوطني يعادل تقريبا 170 في المائة من الناتج الوطني الخام الاجمالي. التجارة الدولية، لا سيما التصدير الى الدول العربية والذي يمر عبر سورية، في حالة تجميد عميق، وصندوق النقد الدولي الذي توجه لبنان اليه لطلب قرض يجري بتكاسل نقاشات مع الممثلين اللبنانيين. "نحن في ازمة اقتصادية، لكن لبنان لا يعتبر دولة مفلسة"، أعلن ذياب في الاسبوع الماضي. واقواله ظهرت جوفاء ازاء البطالة التي بلغت 40 في المائة تقريبا، والخوف هو من ألا تستطيع الحكومة دفع الرواتب لموظفيها. المئات ممن يركبون الدراجات والذين ملؤوا ميدان النور في طرابلس، العمل كان على رأس طلباتهم. الحديث عن شد الحزام وكبح الاستيراد وتقليص النفقات الحكومية لا تدخل قلوب الذين لأشهر أو سنوات، لم يحصلوا على الراتب من مكان عمل منظم. "لم يعد لدينا ما نخسره، من الافضل الموت بالكورونا بدل الموت جوعا"، قالت فتاة من بيروت لمراسل قناة تلفزيون محلية واضافت "لقد درست مهنة في الجامعة وعملت في التسويق في شركة للدعاية الى حين تمت اقالتي. توجد لي عائلة، لكن لا توجد لي حياة وليس لي مستقبل. وأن أكون اليوم لبنانية يعني الاحتضار رويدا رويدا". مع الفرض المتوقع في هذا الشهر للعقوبات الامريكية الجديدة على سورية في اطار "قانون قيصر" الذي سنه الكونغرس، فان لبنان يمكن أن يتلقى ضربة اخرى. حسب القانون، العقوبات ستشمل ايضا كل المتاجرين مع النظام السوري أو يساعدونه بأي طريقة. أي أنه حتى البنوك في لبنان ورجال الاعمال في الدولة يمكن أن يعاقبوا. وكل ذلك في الوقت الذي يستضيف فيه لبنان على اراضيه حوالي نصف مليون لاجئ سوري. وليس من الواضح ايضا ماذا سيكون مصير طلب القرض من صندوق النقد الدولي، الذي تتعلق المصادقة عليه، ضمن امور اخرى، بموافقة اميركا. ومشاركة حزب الله في الحكومة يمكن أن تستخدم كذريعة لمنع منح هذا القرض الحيوي. وفي المقابل، حزب الله الذي يسيطر على الحكومة يعارض استقالتها واستقالة محافظ البنك المركزي. ومن يريد الآن استقرار سياسي في لبنان يمكن ربما قيادة الدولة من الخروج من الازمة سيضطر الى ابتلاع حتى وجود حزب الله في الحكم. حكومة فاعلة هي ايضا شرط اساسي لضخ المساعدات التي تعهدت الدول المانحة بتقديمها لها قبل سنتين بمبلغ 11 مليار دولار. ولكن حتى لو تمت المصادقة على القرض، فان هذه المصادقة ستكون مقرونة بشروط مشكوك فيه اذا كانت الحكومة تستطيع الوفاء بها. الاصلاحات الاقتصادية ليست الجانب البارز في حكومات لبنان على مر اجيالها. فهذه الاصلاحات بحاجة الى تشريع ينظم العلاقة بين البنك المركزي والحكومة ومكانة البنوك ورقابة شاملة على الطريقة التي سيتم اعطاء القرض بحسبها وعلى نقل أصول الدولة الى القطاع الخاص بصورة شفافة وعادلة. باختصار، هذه الاصلاحات بحاجة الى سحق العرف الاقتصادي السياسي الذي بحسبه يتم توزيع الموارد حسب اعتبارات طائفية ودينية يتحكم بها ارباب المال والحكم. هذه الهزة الارضية التي هي حلم معظم الجمهور اللبناني ليست في متناول اليد ولا تلوح في الافق. لبنان عالق الآن بين ادراك ما يجب فعله من ناحية اقتصادية وبين عدم القدرة السياسية على تنفيذه. المتظاهرون والمعارضة وحركات الاحتجاج يدركون جيدا الواقع، حيث أنه حتى اذا نجحوا في اسقاط الحكومة أو اقالة محافظ البنك المركزي، فمن المتوقع أن يضعوا النظام السياسي في فترة تجميد اخرى من اجل اجراء انتخابات وتعيين حكومة جديدة. وحسب التجربة في لبنان، ستمر بضعة اشهر الى حين التوصل الى اتفاق حول ذلك، وحتى هذا لا يمكنه ضمان اجراء تغييرات حقيقية في البنية الاقتصادية، لأن هذا الاتفاق سيقتضي تنازلات من النخب السياسية والطائفية التي تدير الدولة الآن. لبنان لا يعتبر ظاهرة فريدة في الشرق الاوسط، فيه "ربيع الكورونا" يضع مرة اخرى الانظمة امام جمهور فقير وعاطل عن العمل وعاجز، الذي بسبب اليأس يخرج الى الشوارع ويهدد استقرارها. هذه الازمة هي ازمة مصاعفة ازاء الوضع الاقتصادي الصعب في الدول الغنية التي في السابق انقذت انظمة حاكمة فقيرة من الازمات. ""ربيع الكورونا" يمكنه أن يظهر كتهديد استراتيجي اكثر خطورة من ثورة "الربيع العربي".اضافة اعلان