الفرص الممكنة في فوضى التحولات

ثمة فرص لعمليات تنظيم اجتماعي وعمراني ملائمة للناس في ظل التحولات التكنولوجية والاقتصادية الاجتماعية؛ يمكن أن تحوّل المسار، وتنشئ متوالية تقدم وازدهار! ففي التحول من الهرمية إلى الشبكية يتحول الصراع نفسه أيضا ليكون بين السلطة والمجتمعات بدلا مما هو ضد أحزاب وجماعات معارضة للسلطة، يمكن على سبيل المثال الإشارة إلى عمليات التدوين في شبكات التواصل وما تحركه من جدل واعتقالات ومحاكمات، فالمدونون الذين يُعتقلون اليوم ليسوا صحفيين محترفين، أو لا يعملون في مؤسسات إعلامية، لكنهم مواطنون يدونون ملاحظاتهم وأفكارهم في شبكات التواصل الاجتماعي، وفي ذلك فإن السلطة تجد نفسها في مواجهة المواطنين والمجتمعات، ويستعيد الصراع الاجتماعي والسياسي حالة سابقة على الدولة الحديثة، ما يدعو إلى التساؤل عن الطبيعة المستقبلية للدولة نفسها، فكما انحسرت الأحزاب السياسية والصحف ووسائل الإعلام والمعارضات التقليدية فإن مؤسسة الدولة نفسها تواجه المصير نفسه، وقد يصلح الصراع الجاري اليوم في الشرق الأوسط حالة دراسية للتنبؤ وملاحظة كيف تدفع التحولات الجارية بطبيعة الحال إلى تشكلات وتنظيمات اجتماعية جديدة للتكيف مع التحولات وضغوطاتها وفرصها.اضافة اعلان
وبالنظر إلى الإصلاح على أنه صراع بين الطبقات وما تمثله من مصالح، ويكون في محصلته التسويات والمكاسب الممكن الحصول عليها في التنافس؛ فإن السؤال يكون ما الاستراتيجيات الجديدة للصراع السلمي بين المجتمعات والطبقات؟ على افتراض أنّ سؤالا بديهيا قد تشكّل من قبل؛ كيف نخرج من الصراعات المسلحة إلى صراعات سلمية أو تسويات لا تقتل فيها الأطراف المتصارعة نفسها؟ تمضي الطبقات المهيمنة بطبيعتها الاحتكارية في إدارة مصالحها ومواقفها على أساس الهيمنة الشاملة على الفرص والموارد وحرمان المجتمعات والطبقات من كل ما يمكن ان تتيحه التقنية والتطورات الاقتصادية والسياسية حتى لو لم يكن في ذلك تهديد لهذه الطبقات، لكنها تنظر إلى أي مكسب للمجتمعات على أنه تهديد محتمل لها، وتخاف من نهاية مروعة في نهاية الصراع تجعلها (النهاية) أسوأ احتمال، وتدفعها على نحو حاسم لدخول صراع مصيري لا مجال للتسوية فيه مع المجتمعات. لكن الخوف المتواصل يؤول في النهاية إلى تدمير الخائف نفسه مهما كانت قوته وموارده!
والسؤال البديهي المقابل كيف تدير المجتمعات صراعها مع الاوليغارشيا وتنتزع منها تنازلات ومكاسب؟ لا خلاف حول الفوضى التي أنشأتها الشبكة، ولا خلاف أيضا حول فهم الصراع الجديد، وفي ذلك فإن الخيار الممكن هو التحول من الفوضى إلى محاولة التأثير بالفعل في السياسة والفكر، الإجابة بالطبع لدى النخب المهيمنة هي السيطرة على الشبكة وتحويلها إلى مؤسسات تشبه الصحف ووسائل الإعلام في مرحلة ما قبل الانترنت، لكن يبدو أن الشبكة خرجت عن السيطرة، ولا مناص من تغيير قواعد الصراع والتنافس لأن اللعبة نفسها تغيرت، وفي ذلك فإن المجتمعات في حاجة للنضال من أجل التنافس العادل، وأن تتنازل النخب المهيمنة عن الامتيازات غير العادلة؛ وأن تدخل في اللعبة بما اكتسبته من مكاسب وفرص مقبولة في اللعبة العادلة (نسبيا).
فالشبكية بما أنشأت مساواة واقعية ملموسة بين جميع الناس (تقريبا) تنشئ فلسفة سياسية جديدة مفادها أن المساواة في الوصول إلى المعرفة ومصادرها تقتضي مساواة في الأهلية والكفاءة في تقدير ما يصلح وما لا يصلح لتنظيم حياة ومصالح الأفراد والمجتمعات والدول.. ويكيبيديا تتحول إلى مثال يعمم على البرلمانات والحكومات والمدارس والجامعات والتشريعات وتنظيم شؤون الناس ومصالحهم وعباداتهم وخياراتهم.
ويتغير أيضا في الصراع الجديد الموارد التي تتنافس عليها الفئات والطبقات، وفي مواصلة الاحتكار والمنع للموارد والفرص الجديدة في الطاقة وتحلية المياه والطابعات الثلاثية الأبعاد وأنظمة القيادة الذاتية وإمكانية التعلم والتواصل بل وإجراء العمليات الجراحية المعقدة من غير وصاية أو تحكم متخصص معقد يتغير معنى الموارد والمهن والأسواق نفسها، ويتغير أيضا محتوى الصراع والسياسة والاقتصاد.