الفساد في الدول العربية

عبدالله السالم*

الفساد وباء عالمي، بل إنساني. ولو لم يُشكم الإنسان بالقوانين والأخلاق والأديان وحقوق الجماعة، لكان أقرب إلى حيوان مفترس يصول ويجول لتحقيق رغباته وشهواته، لكن بدهاء ووعي.اضافة اعلان
وتعاني كل الدول من ظاهرة الفساد التي استشرت بعد علو صوت المادة والمنفعة على حساب الروح والأخلاق. لكن الدول المتقدمة في التحضر والحرية وتطبيق القوانين، تستطيع محاربة الفساد من خلال القدرة على محاسبة الفاسدين والمخالفين مهما كانوا، أو كانت مناصبهم. ومن الأمثلة على محاسبة الفاسدين:
- الحكم على رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت بالسجن ستة أعوام، لقبوله رشى تبلغ 160 ألف دولار فيما يتصل بصفقة عقارات في القدس، عندما كان رئيس بلدية المدينة.
- الحكم بالسجن خمسة أعوام على الرئيس السابق لغرفة التجارة الرومانية بتهمة الرشوة.
- الحكم بسجن الرئيس السابق لجهاز "سي. آي. إيه" ديفيد بتريوس سنتين.
- الحكم بالسجن عشرة أعوام على مهدي هاشمي، ابن الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، للاختلاس والرشوة.
- الحكم على الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بالسجن سنتين بعد إدانته بالفساد.
- تغريم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مبلغ 10 آلاف ليرة، لإهانته عملا فنيا يدعو للسلام.
أما في أكثر الدول العربية، حيث السلطات المطلقة، والقضاء والإعلام غير مستقلين، فإن الفساد لدينا طريقة حياة. ومن لا يشارك في الفساد يُحارب حتى يطرد من الأخوية؛ أخوية الفساد السرية التي شعارها "جوّد لي وأقطع لك".
بالإضافة إلى هذا، فكأن تهميش الأكفاء وتشجيع المبدعين ومحاربة الصادقين، هي دعوة خفية إلى الفساد والكسل والسلبية والكذب. وكأنه يقال: لا تعمل بضمير بل اعمل لمصلحتك كلما استطعت. لا تبدع وتفكر وتنجز، بل استغل واسرق الأفكار. لا تصارح وتعالج الخلل، بل جامل وامدح.
فالموظف الفقير الذي لا يتم تقديره على كفاءته ونزاهته وحفاظه على شرف المهنة والثقة، سيضعف مع مرور الوقت أمام ما تعرضه شبكات التهريب من مبالغ طائلة، لأن الدولة خذلته في المرة السابقة. وموظف الأمن الذي يعرض نفسه للخطر ويمنع وقوع حادثة تخل بأمن المجتمع يجب أن يكافأ بسخاء، لأنه إن لم يكافأ سيجد في الجهة المقابلة من يغريه.
والإعلامي أو المثقف النزيه الذي يحب وطنه حبا صادقا وينصح لمجتمعه بتوضيح الخطأ والخلل لتتم معالجته، أيضا تجب مكافأته، لا ذاك المواطن الإمعة أو الوصولي الذي يقول الحق هو ما ترونه حتى لو عبرتم بنا الجسر إلى جهنم!
والفساد في الدول العربية ناتج عن مجموعة من الأسباب؛ منها الذاتي، ومنها الثقافي، ومنها السياسي.
الذاتي، حين تسهل للإنسان ممارسة الفساد بلا محاسبة. وقد أسلفنا القول أن لدى الإنسان نزعة حيوانية للفساد كلما أتيحت له الفرصة.
أما الثقافي فبقاء بعض القيم والمفاهيم على ما كانت عليه قبل عصور، حيث كانت صالحة لتلك الحقبة الخاصة بظروفها. وسأشرح هذا بالأمثلة:
ففي ثقافتنا العربية السائدة، يوصف الرجل، أي الرجل الكامل، بذاك الذي كما تقول المقولة "يضوي بالعشاء"! ما علاقة الرجولة بإحضار العشاء؟ الآن أصغر طفل يتصل بمطعم ويأتي بالعشاء أيضا، فأين الرجولة في ذلك؟ إنه قانون الغاب، وعلى الأسد أن يأتي بالعشاء وعلى الأرنب أن يموت.
في ذاك العصر، كان الأكل هو حاجة الإنسان الأكثر أولوية، بسبب انتشار الجوع، ولذا فإن من يسري ليلا في الظلام ويعود لأهله بالعشاء ينظر إليه أنه بطل، رجل، كفؤ، ولا يسألون بعد ذلك من أين أتى بهذا الطعام وكيف.
هذه القيمة الأخلاقية ما تزال موجودة بيننا، فيصف البعض من يستفيد من منصبه ماديا بالاستيلاء على الأموال بأنه رجل "يأتي بالعشاء".
أيضا، هناك مفهوم لمن ينفع أقاربه وقبيلته أنه رجل جيد، لذا يقولون من لا خير فيه لأهله لا خير فيه، أو شيئا قريبا من هذا. وأصل هذا المفهوم كان صالحا في عصر اللادولة واللاقانون، وكان الناس ينتمون لعشائرهم وقبائلهم ليحموا أنفسهم، وبالتالي من لا يخدم هذه المنظومة الأمنية التي تحافظ على وجوده لا خير فيه.
حسنا، لقد تغير العصر، ولم نعد جوعى ولا خائفين، فبأي عذر أسطو على المال العام أو أحرم الأكفاء من الفرص بالواسطة التي تقرب أبناء عمومتي وقبيلتي ومنطقتي غير الأكفاء؟
استيقظ أيها الفاسد، العصر تغير!
*كاتب قطري