الفشل الصهيوني في انتشار اليهود

يقول نبأ "هامشي"، في الملحق الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن وزير المالية موشيه كحلون، سيطرح مخططا لنقل السجون القائمة في منطقة تل أبيب الكبرى، إلى الشمال والجنوب. بغية استخدام الأراضي القائمة عليها، لبناء أحياء سكنية ضخمة. وقد يكون هذا نبأ عاديا، تجده في أي مكان في العالم، إلا أنه في إسرائيل، يعكس فشل الصهيونية في انتشار اليهود، بقدر متساو في فلسطين 48، وهم يتكدسون أكثر في منطقة تل أبيب الكبرى؛ القلب الاقتصادي النابض، ومعقل العلمانيين والحياة العصرية الأكبر، ما يخلق أزمة سكانية واجتماعية، تتخوف إسرائيل من تبعاتها المستقبلية.

اضافة اعلان

وسعت كل حكومات إسرائيل، على مدى العقود السبعة الماضية، إلى نشر اليهود في جميع مناطق 1948، ولكن بالذات في منطقة الجليل شمالا، والنقب جنوبا، إلا أن كل التقارير تؤكد أن الأجيال الشابة اليهودية بغالبيتها، وما إن تنهي الخدمة العسكرية، حتى تتدفق إلى منطقة تل أبيب الكبرى، أساسا، سوية مع التوجه للدراسات العليا أو للبحث عن العمل الجيد، والحياة العامة الصاخبة والعصرية؛ في حين تبقى مستوطنات الشمال والجنوب غالبا، للمتقدمين بالسن، أو لذوي القدرات الاقتصادية الضعيفة، ما أبقى فلسطينيي 48 هم الغالبية في الجليل 57 %، وفي النقب في حدود 43 %.

وأمام هذا الحال، فإن 60 % من اليهود، يعيشون في منطقة تل أبيب الكبرى، و10 % في القدس وغربها، و10 % في منطقة حيفا شمالا. وكل مشاريع تطوير شبكة الطرق والمواصلات، لن تنفع في إقناع الأجيال الشابة بالانتشار، ولذا نرى مشاريع لدب أحياء سكنية أضخم في تل أبيب، التي لو بقيت حاجة البناء لها، لسد حاجة التكاثر الطبيعي السنوي (1,3 %)، لما رأينا كل هذه المشاريع.

ونقل السجون هو مخطط جديد، ولكنه يضاف إلى مخططات شبيهة، ظهرت في العقدين الأخيرين، لغرض وضع حلول لحالة التفجر السكاني في منطقة تل أبيب الكبرى. فمنذ سنوات الألفين الأولى، وضعت الحكومة مخططا لنقل معسكرات كبيرة لجيش الاحتلال، مثل معسكرات رصد وتنصت لوحدة الاستخبارات، وكليات عسكرية وغيرها، من وسط منطقة تل أبيب إلى صحراء النقب. والهدف من هذا مزدوج؛ الأول استخدام الأراضي لبناء أحياء سكنية ضخمة. وثانيا، دفع جنود وضباط الجيش النظامي، إلى الانتقال للسكن في النقب.

وحسب التقارير، فإن هذا المشروع لم يخرج إلى حيز التنفيذ بعد، لأنه ليس مضمونا قبول جنود وضباط الجيش النظامي بالعيش في صحراء النقب، ويتركون الحياة الصاخبة في تل أبيب، وتتخوف وحدات التقنيات العالية "الهايتيك" في الجيش، من أن يؤدي هذا النقل، إلى هجرة الأجيال الشابة المهنية في الجيش، نحو الاقتصاد المفتوح، بسبب مكان السكن.

كذلك فإن إسرائيل تسعى منذ سنوات طويلة، إلى إخلاء المطار الداخلي في مدينة تل أبيب "مطار دوف"، وأيضا من أجل بناء عشرات آلاف البيوت الجديدة، وكما يبدو فإن هذا المشروع هو الأقرب للتنفيذ، كونه لا يحمل تعقيدات مثل القواعد العسكرية.

وهذا المشهد يعزز القلق لدى المؤسسة الحاكمة، والحركة الصهيونية من فوقها. وكما ورد سابقا هنا، فإن التدفق نحو منطقة تل أبيب له وجه آخر، وهو هروب جمهور واسع من العلمانيين، من مدن تتزايد فيها نسب المتدينين على مختلف تياراتهم، وخاصة المتزمتين، ليفرضوا أجواء إكراه ديني على حياة العلمانيين.

وكانت سلسلة أبحاث إسرائيلية قد حذرت من أن استمرار تدفق العلمانيين نحو منطقة تل أبيب، وبهذا القدر، سيؤدي إلى حالة كثافة سكانية من غير الممكن تحملها، ولذا حذرت تلك الأبحاث، من أن وضعية كهذه، قد تزيد من التفكير والرغبة في الهجرة إلى الخارج، خاصة وأن أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين بحوزتهم جنسية ثانية، وهناك نسبة أخرى غير محددة، ممن بإمكانهم الحصول على جنسية ثانية، من أوطان أهاليهم الأصلية.

وارتباطا بهذا، نشير إلى أن تكثيف الاستيطان في وسط الضفة، المقابلة وتقريبا الملاصقة لمنطقة تل أبيب الكبرى، هو أحد مخططات حكومات الاحتلال لحل هذه الأزمة المتفاقمة.