الفشل مستدلا عليه باتجاهات العمل

ليست البطالة وحدها مقياسا للفشل، وإن كانت مقياسا واضحا ومؤثرا يستدل به على النمو والازدهار. ولكن لا ينشئ العمل نموا اقتصاديا واجتماعيا من غير بيئة محيطة تجعله يخدم أهداف التنمية المطلوبة. وبالطبع، فإن المشروعات الاقتصادية ليست مؤشرا تلقائيا على النمو والازدهار؛ إذ يجب أن تنشئ فرصا للعمل والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية، وإلا فإنها تعمل باتجاه أسوأ من البطالة! إذ أن تكون ظروف العمل والمشاركة تعمل لصالح فئة قليلة من المواطنين، فإنها تنشئ فجوة اجتماعية واقتصادية، وتزيد الأقوياء قوة والضعفاء ضعفا.اضافة اعلان
وأسوأ من الأثر الضار اجتماعيا واقتصاديا للمشروعات الاقتصادية والشركات التي تحقق أرباحا عالية ولكن مساهمتها في التشغيل والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية لا تتفق مع نسبة أرباحها وحصتها في الاقتصاد الوطني، هو اتجاهات المعونات الدولية الخارجية، والمؤسسات غير الربحية، عندما تسلك في اتجاه الأغنياء والمتنفذين، فيستحوذون على المعونات والمنح، إضافة إلى الأسواق والأعمال. ويجب أن نكرر السؤال عمن يستفيد من المشروعات الاقتصادية والمعونات والمنح، وأن نواصل النظر والبحث في فوائدها الاقتصادية والاجتماعية وجدواها. والحال أن الكثير من برامج المعونات والمنح والمنظمات غير الربحية، برغم الإنفاق الهائل، لم تنشئ إنجازات ونتائج تتفق مع الهدف المفترض في مواجهة الفقر وتشغيل المواطنين وتحسين حياتهم، ولكنها كانت في كثير من الحالات مكاسب إضافية لفئات غير محتاجة، وساهمت في زيادة الفجوة، ومنحت أغنياء ومتنفذين مزيدا من الهيمنة والعجرفة. هكذا، يمكن تقدير الفشل والنجاح بملاحظة علاقة مصفوفة السياسات الوطنية بالتشغيل، وأن تضع الحكومات أهدافا قابلة للقياس في تخفيض نسبة البطالة وتشغيل المواطنين وتوليد فرص عمل حقيقية تساهم في الإنتاج، وفي المعنى أيضا، وفي تطوير بيئة العمل ليكون لائقا ومنشئا لحياة كريمة يرضى عنها العاملون، وتوجيه القروض والتسهيلات والضمانات والإعفاءات نحو المشاريع الصغيرة والقطاعات التي يعمل فيها الفقراء، مثل الزراعة والنقل. ويقترح تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية أن توجه البنوك المركزية سياساتها وتوسع نطاق عملها لتشمل، إضافة إلى السيطرة على التضخم، تطوير وتنمية فرص التشغيل ومواجهة الفقر؛ وأن تربط السياسات النقدية بالتشغيل وتوليد فرص العمل، وتوجيه الدعم المالي للأنشطة التجارية والاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي، وإعطاء أفضلية في السياسات للمشروعات والبرامج التي تشغل المرأة والفئات الاجتماعية والاقتصادية الأقل حظا، أو تستثمر في مجالات تزيد فرص العمل للمرأة وفي الريف والقطاعات الأكثر علاقة بالناس وحياتهم اليومية، وتقييم الاستراتيجيات والنظر إليها على أساس أن فرص العمل والتشغيل تمثل محورا رئيسا في البرامج والاستثمارات، والأخذ بالاعتبار أن العالم يشهد نموا اقتصاديا لا ترافقه زيادة في فرص العمل، فمن الأهمية بمكان تحقيق التكامل بين العمل ورأس المال في عملية تعزيز التنمية. وفي ذلك، فإن الحكومات والبنوك المركزية يمكن أن تجري تدخلات في سياق التنمية محورها التشغيل؛ مثل إزالة العوائق أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة والعاملة في المحافظات والريف والبادية، ومساعدتها في الدخول إلى الأسواق، وتزويدها بالمعلومات والمهارات والضمانات التي تمكنها من الاقتراض والمغامرة، وتصحيح التوزيع بين رأس المال واليد العاملة، وتحسين التسويق والتكنولوجيا، وتصميم وتنفيذ إطار قانوني وتنظيمي مناسب لمعالجة العمل غير النظامي، فالعاملون في القطاع غير النظامي هم من أكثر الفئات تعرضاً للمخاطر والصدمات.