الفقر والبطالة: الحل في المنظومة الاجتماعية والثقافية

لا يمكن النظر إلى حالة وجود مليون عامل وافد، مع وجود الفقر والبطالة، إلا باعتبارها قضية اجتماعية ثقافية؛ فهناك قطاعات تكاد تكون خالية نهائيا من العمالة الوطنية. وإذا كان مقبولا أو متحملا هذا الغياب عن بعض هذه القطاعات، إلا أنه يؤدي، وبخاصة في قطاعات مثل الزراعة والبناء والمطاعم والمحلات التجارية، إلى متوالية من الخسائر والسلبيات الاقتصادية والاجتماعية، لأنها قطاعات متصلة بمنظومات الحياة وأساليبها، والسلوك الاجتماعي والتقدم والتطور.. والإصلاح بعامة. وربما يؤشر هذا الغياب على مسائل خطيرة ومؤذية، أهمها ضعف المجتمعات وتبعيتها، وانهيار منظومة الثقافة والفنون التي تحمي المجتمع، وترتقي بحياته، وتحافظ على الموارد وتعظمها، وتنشئ موارد جديدة.اضافة اعلان
فالمسألة ليست مجرد إجراءات وقرارات وسياسات وتشريعات تتخذ لإحلال/ تشجيع عمالة وطنية لتحل مكان عمالة وافدة، على ضرورة وأهمية الجانب الإداري والتشريعي في الإصلاح والتقدم. ولكن العمالة الوطنية تنشأ في منظومة اجتماعية تعززها، وتجعلها جزءا من نسيج الثقافة والمجتمع والحياة اليومية والاقتصاد والعمل والتجارة.
فأعمال البناء والتجارة، وحرفها ومهنها واقتصاداتها، مرتبطة بالمجتمع نفسه، أو منبثقة عنه أساسا. وغياب أبناء المجتمع عنها يعني، بالضرورة، غياب المجتمع نفسه؛ إذ يتحول المواطنون في أحيائهم ومدنهم إلى ساكنين وعابرين، وليسوا كتلة اجتماعية ثقافية يتجمعون معا حول المكان والمصالح والاحتياجات والأولويات. السؤال الأول، إذن، هو: كيف ننشئ الكتل الاجتماعية الحقيقية؟ كيف يكون أهل الحي/ المدينة/ البلدية مجموعات وجماعات تلتقي حول القضايا والاهتمامات الأساسية للمكان والسكان؟ أن يكون لهم، وبتمويلهم ومشاركتهم، أندية رياضية اجتماعية ثقافية، ومدارس وحدائق ومكتبات، وأسواق ودور عبادة، ثم يتطور نشاطهم هذا إلى تجمعات وجدل حول تنظيم العمل والموارد، واختيار القيادات وإدارة المصالح والموارد، والادخار والإسكان، والمشاركة التجارية والتعاونية...
سوف تنشئ الأسواق الاجتماعية والمجتمعية، بطبيعة الحال، أنظمة عمل وحياة تشجع المواطنين على الانخراط في جميع/ معظم قطاعات العمل الحرفية والتجارية، لأنها سوف تمنحهم آمالا وآفاقا لتطوير أنفسهم وأعمالهم ومصالحهم الصغيرة لتصبح مشروعات كبيرة، وفرصا في الحصول على السكن والتقاعد والتضامن. كما أن المشاركة الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، والانتماء والمشاركة القائمة حول ومع الإقامة والعمل في المدينة، تمنح المواطنين، أيا كان عملهم ودخلهم، تعويضا اجتماعيا وثقافيا كبيرا، وفرصا للارتقاء بالحياة وخيارات عمل وحياة متعددة، لا تقتصر على الحرفة والعمل. فالمواطن بالإضافة إلى أنه حرفي أو بائع أو عامل، فنان أو شاعر أو رياضي أو متطوع مشارك في أعمال وبرامج الحي والمدينة، يشعر بالرضا عن نفسه ومشاركته، وقد تمنحه مشاركته فرصا أخرى وجديدة للتقدم القيادي، أو لتطوير وتنويع مصادر دخله.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المنظومة تشجع وتنشئ منظومات جديدة، ثقافية واجتماعية، للحياة والاحتياجات الأساسية؛ التصميم، والتهوية والخصوصية، والطهو والصناعات المنزلية.. ترتقي بمستوى الحياة، وتفعّل الوصول إلى الاحتياجات الأساسية من غير تكاليف إضافية، وتنشئ أسواقا وأعمالا وموارد جديدة.ثم إنها تنشئ وتشجع اتجاهات جديدة في العلاقات الاجتماعية والانتخابية، وبناء المنظمات المجتمعية والاقتصادية التي تتجاوز الروابط القرابية والدينية إلى تجمعات قائمة على أساس تفعيل الإنفاق العام والمصالح المشتركة والمهن والخدمات والمرافق الأساسية وحماية المستهلك.. وهذا هو الإصلاح والتقدم.

[email protected]