الفلسطينيون: ضحايا "ثقافة الإلغاء"

جيمس زغبي* - (غلوبال ريسيرتش) 7/12/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

في الشهر نفسه الذي قرأت فيه مقالات تدين "ثقافة الإلغاء" -التي يطبقها البعض حصريًا على "جهود اليسار لإسكات أو تشويه الآراء التي يختلفون معها"- لفت انتباهي عدد من الحوادث المقلقة الأخرى أيضاً.
وُصفت عضوة أميركية-فلسطينية في الكونغرس الأميركي بأنها معادية للسامية لأنها رحبت بإعلان اختيار الرئيس المنتخب بايدن لوزير الخارجية، على أمل أن يساعد ذلك على الاعتراف بحقها في دعم "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على إسرائيل". وأدينت امرأة عربية أميركية بارزة، من أصل فلسطيني، تم تعيينها في منصب في البيت الأبيض لبايدن، بسبب ملاحظة كانت قد أبدتها عندما كانت طالبة، قبل عقدين من الزمن، والتي أشارت فيها إلى أن اليأس هو الذي لا بد أن يكون قد دفع الشباب الفلسطيني إلى أن يصبحوا مفجرين انتحاريين. وقام مجلس التعليم في كاليفورنيا بإلغاء مساق الدراسات العربية-الأميركية من منهاج نموذجي للدراسات العرقية، وأزال أي ذكر لفلسطين. وأعلن وزير الخارجية، مايك بومبيو، أن وزارة الخارجية ستتبنى تعريفاً لمعاداة السامية، والذي يخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. ونتيجة لذلك، سيتم تصنيف "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات" على أنها "سرطان" معاد للسامية، وقد يعاقب أيضًا منظمات حقوق الإنسان المحترمة بسبب انتقادها السياسات الإسرائيلية.
على الرغم من اختلاف هذه الحوادث، إلا أنها تشكل أمثلة على انتشار "ثقافة الإلغاء" التي تعمل على إسكات الأصوات المنتقدة لإسرائيل أو الداعمة لحقوق الفلسطينيين. وهي تثير، معاً، العديد من مكامن القلق الهامة.
في المقام الأول، يولَد إسكات الفلسطينيين وأنصارهم من التعصب الأعمى. ويشكل حرمان الفلسطينيين من حقهم الأساسي في التعبير عن الألم والاحتجاج إنكاراً لإنسانيتهم نفسها.
ومما يفاقم هذا الوضع الاستخدام غير المسبوق لسلطة الدولة لإسكات العرب الأميركيين وأولئك الذين يدافعون عن فلسطين. وفي حين أنه من المخزي أن تتجاهل وزارة الخارجية الأميركية باستمرار انتهاكات إسرائيل الممنهجة لحقوق الإنسان الفلسطيني، فإن من العار أيضاً أن تسعى الآن إلى وصف الفلسطينيين وأنصارهم بأنهم معادون للسامية بسبب التحدث علنًا ضد هذه الانتهاكات أو الدعوة إلى مقاطعة سلمية غير عنيفة.
وهذا انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني -الحق في التحدث والعمل بحرية ضد الظلم. ولكن بعد ذلك، إذا كان المسؤولون الأميركيون المعنيون لا يرون سوى الإنسانية الإسرائيلية ولا ينظرون إلى الفلسطينيين أو العرب على أنهم بشر كاملون، فسوف يترتب على ذلك إخضاع حقوق الفلسطينيين للقلق بشأن حماية إسرائيل من النقد.
ثمة معيار مزدوج واضح يتم تطبيقه هنا. عندما قام باروخ غولدشتاين؛ المستوطن الإسرائيلي المتطرف، بذبح 29 مصليًا فلسطينيًا في مسجد في الخليل، نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" مقالًا يطرح السؤال: "ما الذي حدث ليدفع هذا الطبيب اليهودي إلى فعل ما فعله؟"، ولم يرد أي ذكر للضحايا الفلسطينيين. ولم تكن هناك أي مقابلات أجريت مع أسر الضحايا أو أولئك الذين نجوا من حادثة القتل الجماعي. كان غولدشتاين، الرجل المضطرب، موضوع القصة. وكان ضحاياه مجرد أشياء -مجرد تعداد للجثث؛ اعتبار الضحايا مجرد عدد يتم التنويه إليه ثم إهماله.
ولكن، عندما حاولت فتاة أميركية-فلسطينية تبلغ من العمر 20 عامًا أن تفهم سبب شعور شاب فلسطيني باليأس لدرجة أنه قد يعمد إلى الانتحار بارتكاب عمل عنيف، فإنها تتعرض للإدانة اليوم. ولم تكن الفتاة تبرر الفعل الفلسطيني أكثر مما كانت "الواشنطن بوست" تبرر فعل غولدشتاين. كانت تلك محاولة لفهم ما يمكن أن يدفع أي شاب إلى ارتكاب مثل هذه الفظائع. لقد تم اعتبار الحديث عن الفلسطيني كشخص، وإن كان شخصاً مضطرباً للغاية، ذنباً كبيراً لا يغتفر.
من المهم أيضًا ملاحظة أن العديد من الجماعات التي تكون الأسرع إلى إدانة العرب بوصفهم بأنهم معادون للسامية بسبب إدانتهم المشروعة للسياسات الإسرائيلية، هي نفسها الجماعات التي ستقبل النظر إلى الفلسطينيين والعرب على أنهم يتعرضون للعنف بسبب ثقافتهم أو دينهم. وهذا، بلا شك، هو تعصب أيضاً.
والأمر المقلق بالمقدار نفسه بشأن الجهود المبذولة لإسكات الانتقادات الموجهة ضد إسرائيل من خلال خلطها بمعاداة السامية هو ذلك الضرر الذي تلحقه حتماً بالمعركة التي تُشن ضد معاداة السامية الحقيقية. إن معاداة السامية هي تعصب أعمى. إنها في أصلها كراهية لليهود أو تحيز ضدهم على أساس الصور النمطية التي تصور الشعب اليهودي، ليس كأفراد، وإنما باعتبارهم جزءًا من جماعة، والذين يتشاركون في السمات نفسها، جسدية كانت أو ثقافية، أو يشاركون في نشاط شائن بسبب "يهوديتهم".
مع ذلك، ومنذ السبعينيات، شنت بعض الجماعات الموالية لإسرائيل حملات للمساواة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. وهم يجادلون بأنه بما أن إسرائيل، كما يرونها، هي "الدولة اليهودية"، فإن الانتقاد المفرط لإسرائيل هو بالتالي هجوم على جميع اليهود، كمجموعة.
من المؤكد أن هناك حالات يمكن أن يكون فيها انتقاد إسرائيل معادياً للسامية -عندما يُنسب السلوك الإسرائيلي إلى الصور النمطية السلبية عن اليهود، كسلوك جماعي حتمي.
لكن الانتقال من هذا إلى رؤية كل انتقاد لإسرائيل على أنه معاد للسامية لا يجافي المنطق فحسب، وإنما يشوه معنى الكلمة نفسها أيضاً. كما أنه يشكل محاولة فجة لحماية إسرائيل من الانتقاد، وفي الوقت نفسه يجعل الناس عاجزين عن مواجهة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل يومياً ضد الشعب الفلسطيني.
لدحض هذه التهمة، يقول المدافعون عن هذا التوسع في تعريف معاداة السامية إنهم سيسمحون بما يُسمّونه "النقد المشروع". وما يقلقهم، كما يقولون، هم النقاد الذين يركزون حصريًا على إسرائيل أو أولئك الذين يكون انتقادهم "مفرطًا".
باستخدام المنطق نفسه، هل يمكن أن نقول إنه ينبغي النظر إلى دعاة حقوق الإنسان على أنهم مصابون بـ"رهاب الصين" لأنهم ينتقدون اضطهاد الصين للأويغور أو سلوكها القمعي في هونغ كونغ؟ أم أن المرء يصبح مصاباً بـ"رهاب الروس" لأنه يعارض العدوان الروسي في أوكرانيا أو سلوك روسيا المهدد تجاه جيرانها الغربيين؟ أو أنه سيعد "معادياً للعرب" إذا انتقد إحدى السياسات الداخلية أو الخارجية للحكومات العربية؟
بالطبع، يمكن اعتبار المرء كارهاً للروس أو معارضًا للصين أو معاديًا للعرب إذا استند هؤلاء في نقدهم إلى ما يرونه صفات متأصلة أو صوراً نمطية سلبية للشخصية أو الثقافة الروسية أو الصينية أو العربية. وهذه الدرجة نفسها من التمييز ضرورية للغاية عندما ينظر المرء إلى منتقدي إسرائيل وسياساتها. وبخلاف ذلك، فإن التصميم الشامل على رؤية انتقاد إسرائيل أو سياساتها على أنه معاداة للسامية يجب أن يُنظر إليه على أنه ليس أكثر من محاولة فجة لإسكات مثل هذا النقد.
يشمل التعريف الموسع لمعاداة السامية أولئك الذين يدينون الظلم الواقع على الفلسطينيين، والناتج عن إقامة دولة إسرائيل. ولكن، عندما نرحب -محقّين- بمناقشة الظلم الذي تعرض له السكان الأصليون في أميركا أو جرائم العبودية وجيم كرو، كيف يمكننا أن نحرم الفلسطينيين من حقهم في الاحتجاج على طردهم من وطنهم ونزع ممتلكاتهم؟ وإذا كنا نقيم النقاشات حول ضرورة تعويض الأميركيين الأصليين أو الأميركيين الأفارقة، فلماذا نعد مطالبة الفلسطينيين بالعودة إلى الوطن والتعويض معاداة للسامية؟ إلا إذا كنا نعدهم أقل جدارة بنيل الحقوق أو أناساً خطرين بطبيعتهم.
حتى قبل هذه الحملة الحالية للخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، بذلت بعض المنظمات اليهودية الكبرى جهوداً حثيثة لإسكات العرب الأميركيين. ونشرت مجموعات مثل "رابطة مكافحة التشهير"، و"أيباك"، و"اللجنة اليهودية الأميركية"، الكثير من التقارير التي تحذر من الخطر الذي يمثله "ناشطون فلسطينيون" أو "عرب". ونتيجة لهذه الحملة، حُرم الأميركيون العرب (بمن فيهم أنا) من الوظائف، وتعرضوا للمضايقات، وألغيت المناسبات التي كانوا سيتحدثون فيها، وتلقوا تهديدات بالتعرض للعنف. وتقوم بالشيء نفسه اليوم حركات من أمثال "كناري ميشن"، و"كامبس ووتش".
بكلمات أخرى، ليس "الإلغاء الثقافي" بالأمر الجديد. لقد كان موجوداً دائماً منذ عقود، وكان العرب الأميركيون وأنصار حقوق الإنسان الفلسطينيون هم ضحاياه الرئيسيون. والآن، مع قيام أكثر من 30 ولاية أميركية بتمرير تشريعات تجرم دعم "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات"، وتبني وزارتي الخارجية والتعليم الخلط بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، تتصاعد الجهود لإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين.
إن الحذر والتمييز مطلوبان عندما نتحدث عن الإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والعرب. ويجب على مؤيدي الخطاب العقلاني، وخاصة بين العرب الأمركيين واليهود الأميركيين التقدميين، بذل جهد حازم لإقامة حوار محترم لتحدي هذا الانزلاق الخطير في اتجاه القمع والفظاظة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Palestinians: Victims of‘ cancel culture’
*مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي (AAI)، وهو منظمة مقرها واشنطن العاصمة والتي تعمل كذراع لأبحاث السياسة الخاصة بالمجتمع العربي الأميركي.