الفلسطينيون في ورشة البحرين

لا شيء ينقص الفلسطينيين للتمتع بحياة سعيدة سوى لعب كرة القدم وانتاج أعمال سينمائية تسرد قصص نجاحهم. هذا هو الاكتشاف المثير الذي وصلت إليه ورشة البحرين للسلام والازدهار التي اختتمت أعمالها في المنامة يوم أمس. في افتتاح الورشة قدم السيد جاريد كوشنير عرضا زاهيا لحال الضفة الغربية وقطاع غزة بعد قيام السلام الاقتصادي. خريطة حالمة بدت وكأنها قطعة من سويسرا. مليارات من دول الخليج العربي ننثرها في فلسطين ودول الجوار، فلا يعود هناك حاجة لدولة فلسطينية ولا حل الدولتين. مرة أخرى يؤكد كوشنير وفريقه جهلهم بتاريخ المنطقة، إذ يصورون الشعب الفلسطيني وكأنه بلا تاريخ أو سردية حضارية في الثقافة والفن والتراث. على مدار عقود صراع الهوية بين الشعب الفلسطيني وكيان الاحتلال الإسرائيلي، قدم الفلسطينيون أرفع الأدباء والشعراء والمفكرين، وأضافوا للإنسانية محتوى ثريا في المجالات كافة. في المسرح والسينما والفنون التشكيلية برع فلسطينيون في الداخل والشتات. حتى في كرة القدم سجل المنتخب الفلسطيني حضورا شجاعا في مشاركاته الخارجية، ولمعت أسماء لاعبين فلسطينيين في دول المهجر. دائما ما يحسد العرب أقرانهم الفلسطينيين على مثابرتهم في العمل والإبداع، وتميزهم رغم التشرد وقلة الموارد. كانت محاولة بائسة من المتحدثين في تلك الجلسة لتصوير الشخصية الفلسطينية والعربية عموما على أنها شخصية لاتجيد غير إنتاج العنف والكراهية وتستسلم للبؤس. لقد كان رد الفلسطينيين دائما على محاولات طمس الهوية وتشويه الشخصية الفلسطينية، هو بمزيد من الانتاج الأدبي والفني الذي يمجد قيم الإنسانية رغم الظلم التاريخي الذي لحق بهم، تماما بعكس المحتوى الصهيوني الذي دأب على تصوير الآخر الهمجي، وتقديم دور الضحية بشكل أناني يحتقر قيم الإنسانية والمنطوي على ذاته الشريرة. بسذاجة بالغة وخطيرة يود السيد كوشنير أن صراع الهوية والحق الفلسطيني السيادة والكرامة والحرية يمكن تسويته بمباراة كرة قدم أو بفيلم مشترك فلسطيني إسرائيلي. وثمة عرض اكبر من ذلك؛ مليون فرصة عمل نخلقها لشعوب المنطقة على مدار عشر سنوات! بدا المشهد في المنامة وكأننا في مول تجاري نجري سحبا على جوائز "قيمة" ليطير فيها الفلسطينيون الرابحون فرحا، ولا يعودوا يتذكرون أوجاعهم تحت الاحتلال، وأسراهم في السجون، وكرامتهم المهدورة يوميا على الحواجز، وحياتهم البائسة في ظل الحصار، وينسوا كذلك أرضهم التي يسرقها الاحتلال كل يوم. بصراحة الورشة مسخرة، تذكرنا بمساخر مشابهة لمؤتمرات ومنتديات حاول منظموها الالتفاف على حقائق الصراع وشروط الحل العادل وخداع الفلسطينيين والعرب بمكاسب اقتصادية على حساب الحقوق السياسية. جميعها فشلت، وورشة البحرين ستلقى نفس المصير، إذا لم تبادر الإدارة الأميركية لتقديم عرض سياسي منصف وعادل يلحظ الشق السياسي والحق الفلسطيني. الأشهر المقبلة حافلة بالتطورات والأحداث بانتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الإسرائيلية، واقتراب موسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وإلى ذلك الحين سننتظر أيضا مصير المهزلة التي يديرها كوشنير.اضافة اعلان