الفلسطينيون لا يكفون عن تفويت الفرص

هآرتس

رونيت مرزان

اختار عباس إنهاء خطابه في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بالآية القرآنية "ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، ويبدو أن هذا لم يكن صدفة. لقد أنهكت قوة عباس الشخصية وأنهكت قوة الحركة الوطنية الفلسطينية، التي في درك أسفل لم تعرف مثله، باستثناء السنوات بين 1948 و1964.اضافة اعلان
م.ت.ف التي قادت الكفاح المسلح، والسلطة الفلسطينية التي قادت النضال السياسي وحكومة حماس التي حاولت الدمج بينهما، جميعهم فشلوا في تحقيق حلم التحرير الوطني الفلسطيني، وأبقوا الشعب الفلسطيني مقصى وهامشيا ومكروها في الساحتين الإقليمية والدولية.
لقد بدأ في الدخول إلى هذا الفراغ السياسي مثقفون شباب من جميع التيارات الوطنية والدينية الذين يقرؤون نصوص الأفكار الثورية العربية، الفلسطينية، الإسلامية والغربية. هؤلاء الشباب على قناعة أنه بواسطة إيصال هذه الأفكار للجمهور يستطيعون إقناع أبناء شعبهم بالتنازل عن "العجل الذهبي" -ثقافة الاستهلاك الغربية التي تفشت بعد اتفاقات أوسلو- والعودة إلى الثقافة القومية العربية والإسلام العقلاني والجماهيري.
على هذه الخلفية، ألقى عباس محاضرة أخرى في سلسلة دروس تاريخ له أمام جمهور مختلف. بواسطة بلاغة مناهضة لليهود حاول عباس أن يثبت لأبناء شعبه أنه ليس خائنا، بل وطني قومي حقيقي، الذي يتذكر الماضي ويعمل بلا كلل من أجل إضعاف عقدة الذنب الأوروبية تجاه اليهود، وتشجيعهم على تحمل المسؤولية عن المظالم التاريخية التي تسببوا بها للشعب الفلسطيني.
عباس لم يظهر فهما سياسيا ولم يأخذ الدرس من أخطاء أسلافه، وعلى رأسهم ياسر عرفات. الإسرائيليون الذين وجدوا صعوبة في السابق في فهم الأسباب التي جعلت عرفات يستخدم الخطاب الديني، يجدون صعوبة الآن وبشكل أكبر في فهم الدوافع التي تدفع عباس إلى استخدام الخطاب اللاسامي. القلائل الذين ما يزالون يؤمنون بأن عباس هو شريك للسلام يجدون صعوبة في الخروج للدفاع عنه، حتى بعد اعتذاره، وهم يُدفعون بالتدريج إلى المعسكر المتمسك بمقاربة "لا يوجد شريك".
الكارثة والصهيونية أمران يحظيان بإجماع في المجتمع الإسرائيلي، ومن يتجرأ على الاحتجاج على ذلك يتم إلقاؤه خارج الخطاب العام. لا يوجد احتمال أن التنسيق الأمني والنضال الحثيث الذي يديره عباس ضد الإرهاب سيشفعان له. في سلوكه المتقلب هو يحكم على نفسه بمصير يشبه مصير سلفه. ولكن يبدو أنه ليس فقط عباس يفوت فهم طريقة التفكير الإسرائيلية، أيضا الإسرائيليون أنفسهم يفوتون الشريك الأكثر سهولة الذي كان لهم منذ تأسيس م.ت.ف.
حتى في هذا الخطاب، ورغم الدوافع اللاسامية التي فيه، فإن عباس لم يحطم الأدوات. لقد انتقد شرعية المشروع الصهيوني وعزا الكارثة والمذابح ضد اليهود لطبيعتهم كمجتمع، لكنه واصل تأييد حل الدولتين واعتبار شرقي القدس عاصمة لفلسطين. عباس انتقد الصلة اليهودية بحائط المبكى، لكنه أوضح أن النزاع هو في الأساس على حدود وليس بين الأديان.
عباس ندد، بالإشارة، بالزعماء العرب الذين اتخذوا قرارات سيئة في المسألة الفلسطينية. ولكنه واصل التمسك بالمبادرة العربية من العام 2002 كأساس للتفاوض مع إسرائيل. وقد وجه انتقاد غير مباشر على الأمم المتحدة لكنه واصل رؤية المجتمع الدولي عنوانا لإدارة المفاوضات مع إسرائيل. لقد أشاد بالشهداء والأسرى الفلسطينيين، لكنه أوضح بصوت عال أنه يعارض كل الأعمال الإرهابية لجميع التيارات اليسارية والإسلامية واستخدام الأطفال في المواجهات. وأوضح أنه يؤيد المقاومة الشعبية غير العنيفة.
البلاغة ستستمر كما يبدو في لعب دور تدميري في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا إذا قرر زعماء الشعبين التحدث بصورة مختلفة. بدل التمسك بالرؤية الثقافية العربية "لقد فاتني القطار" ومقاربة "لا يوجد شريك" الإسرائيلية، سيضطرون إلى إزالة الدفاعات الثقافية والقفز على الذكريات التاريخية الدامية من أجل إعطاء علاج وأمل لأبناء شعبيهما.