الفلسفة وأهمية إضافية مضاعفة

احتفل العالم الخميس الماضي باليوم العالمي للفلسفة اتباعا لتقليد بدأته اليونسكو عام 2002 باعتبار الخميس الثالث من شهر تشرين الثاني كل عام يوما عالميا للفلسفة، والحال أن الفلسفة تكتسب اليوم أهمية إضافية لاعتبارات جديدة مختلفة، منها التحولات الكبرى والهائلة في الموارد والاجتماع والمعرفة؛ ما يجعل المهارة المعرفية الأساسية المطلوبة اليوم وفي المستقبل هي التفكير النقدي والإبداعي والقدرة على السؤال وإدارة حالة عدم اليقين السائدة في المعرفة والاقتصاد والسياسة والأسواق والأعمال، ويكاد يستقر الفهم والتحليل اليوم على أن مواجهة الكراهية والصراعات السائدة في عالم اليوم وبخاصة عالم العرب والإسلام لا يمكن مواجهتها إلا بتقاليد وثقافات الحياة المشتركة والتقبل، ولا يساعدنا في ذلك أفضل من الفلسفة.اضافة اعلان
ظلّ الدين سؤالاً وإن كان يبدو إجابة أو ملجأ من السؤال، حتى لدى المؤمنين بأن ثمة حقاً نزل من السماء، فهذا الحق النازل من السماء يحلّ في لغة الأرض ويستنطَق ويُفهم ويُؤول بأدوات الإنسان التي طورها في البحث والمعرفة والعلم والفلسفة والفنون والتصوف أو التأمل. وفي ذلك يبدو التاريخ الديني جدلاً متواصلاً وبلا انتهاء بين الإنسان ونفسه أو مع الطبيعة والكون. لكن بعض المتدينين أنشأوا بذلك أسوأ تجربة إنسانية، وأسسوا لتناقض يبدو عصياً على الحلّ.
فالإقرار واجب بأنه لا يمكن فهم الدين وتطبيقه إلا بالفلسفة والفنون، بالنظر إلى الفلسفة بوصفها الأداة المنهجية في معرفة حقائق الأشياء والتي من دونها فإن اللغة، بما هي وعاء النص الديني، لا تمنح المعنى والدلالة والتأويل، أو أنه لا يمكن إدراك ذلك إدراكاً صحيحاً. وأما الفنون فهي أداة التعبير عن الأفكار والمشاعر والأحاسيس والخيال وتحويلها الى معرفة ترشد الانسان وترتقي به.
هكذا لا يمكن فهم الدين فهماً صحيحاً من غير فلسفة ولا يمكن تطبيقه تطبيقاً صحيحاً من غير فنون، لكن ذلك يؤنسن التدين وينزع عنه الغيبية، وأسوأ من ذلك بالنسبة الى المؤسسة الدينية أن ذلك يجعلها عبئاً على الدين نفسه كما العلم... والموارد والضرائب!... ماذا يبقى من الدين عندما يحدث هذا التطور؟ يبقى كله بالطبع، ولكن السؤال الحقيقي: ماذا يبقى من المؤسسة الدينية والسلطة السياسية؟
وفي الجدل بين الدين والعلم كان العلم يتمدد والدين ينسحب، ولكن ذلك حدث لأن السلطة الدينية مدّت المقدس إلى كل شأن من شؤون الحياة والعلم، ولم يكن ثمة مجال بالطبع للتقدم سوى عبر تحسين الحياة والتخفيف من آلام البشر، والواقع أنه كما يقول برتراند رسل لم يعد ثمة حرب بين العلم والدين، ولم يعد الدين هو الخطر على الحريات والتقدم، لكنها الحكومات والأنظمة السياسية الاستبدادية.
ليس لدينا اليوم لفهم الدين في المدارس والجامعات والمؤسسات الدينية سوى تعاليم وقواعد تقدم لنا. لكن ليس لنا خيار لأجل فهم الدين فهما صحيحا سوى اللجوء إلى الفلسفة والعقل.
ويظل المأزق قائماً ومعقداً ولا يمكن مواجهته بسهولة أو في عجالة، ذلك أن علوم الإنسان ليس بمقدورها إدراك الميتافيزيقي (ما فوق الطبيعي)، ولكننا ايضاً في حاجة الى الإقرار بأنه لا يمكن بلوغ المقدس إلا عبر الإنسان. يقول تليش: ليست الرموز الدينية حجراً متساقطاً من السماء بل هي مترسخة في كل التجربة البشرية، فلا يتيسر لنا فهمها إلا بوضعنا في الحسبان السياق الاجتماعي والثقافي الذي تطورت عبره والذي وقفت ضده في بعض الأحيان.