الفنان نعمة يرحل تاركا "مجسم قبة الصخرة" شاهدا على حبه للقدس

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- على مر العصور، تبقى الأعمال الفنية المميزة خالدة في الوجدان، لتخلد اسم صاحبها الذي أبدعت أنامله بكل شغف في تشكيل تلك اللوحات أو المنحوتات الفنية، لا سيما وإن كان هذا النحت هو صورة طِبق الأصل عن مجسم "قبة الصخرة" بكل تفاصيلها للفنان التشكيلي الأردني الذي غادر الحياة نظام نعمة، الذي عاش نحاتاً وفناناً وأصبحت أعماله شواهد في مناطق عدة في المملكة.
قبل أيام قليلة، توفي نعمة، بينما هو في بيته، الذي لطالما احتضن أعماله الفنية التي يعيش معها لحظة بلحظة، يعطيها من الوقت أطوله، ويصبر على نتوءات يديه علها تكون سببا في اعتدال تلك المجسمات، التي ارتبطت باسمه، حتى أمسى شخصاً يزوره الكثيرون من أفراد ووسائل إعلام في بيته القابع في وسط البلد، للاطلاع على أجدد أعماله ما بين الحين والآخر.
وما كان يميز طريقة عمل نعمة في منحوتته الشهيرة "قبة الصخرة" أن العمل بها كان على سطح البناية التي يقطن بها، ليكون الفضاء هو حدود طموحه وفنه، ليتوج هذا العمل بأن يكون شاهداً على قدسية المكان "القدس" وعروبتها، وهي عاصمة لفلسطين؛ حيث اختار أن يكون مدخل محافظة الكرك حاضناً لهذا العمل الفني.

مجسم النسر للفنان نعمة في دابوق- (ارشيفية)
اضافة اعلان


جاءت هذه الخطوة في تكريم الكرك بمجسم الأقصى نهاية العام 2017، إبان اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ليكون نتاج عمل سنوات في مجسم الأقصى شاهداً على عروبتها، في وقت كان العالم أحوج ما فيه لتأكيد هذا الحق.
ويعد مجسم قبة الصخرة صورة طبق الأصل عن المبنى الحقيقي، وهو مكون من بناء ثماني الأضلاع، بأبوابه الأربعة، وبما يحمله نعمة من إتقان فني، كان كل من يناظر هذا المجسم وكأنه يشاهد قبة الصخرة بشكل مباشر، بكتاباتها وحروفها ولمعة قبتها الذهبية.
نعمة لم يزر القدس ولم يدخلها، كونه معارضا للتطبيع بكل أشكاله، ولم يمكنه ذلك من دخول الأراضي الفلسطينية واكتشاف هذا المعلم الإسلامي القيم والتاريخي، ومعراج الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن حبه للمكان ساعده على التعرف من خلال العلم والمشاهدة ليرسم التفاصيل التي بقيت الآن شاهدة على حبه للقدس، ويُنسب إليه، ليكون من أشهر النحاتين الذين قاموا ببناء مجسم مماثل، يحمل في كل زاوية فيه قصة عمل فني مُعطر بالحب لقدسية المكان.

الفنان نظام نعمة- (ارشيفية)


نعمة في الكثير من مقابلاته الصحفية التي تناولت الحديث عن المجسم، كان يؤكد في كل مرة أنه وبالرغم من أنه مسيحي، إلا أنه لا يفرق بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، ويُجزم بمدى أهمية القدس للمسلمين وللمسيحيين، "فنحن شعب واحد تربطنا قيم التسامح والرحمة والمحبة"؛ إذ حضرت القدس في العديد من منحوتاته الفنية الرخامية، بالإضافة إلى المجسم.
لذا، حرص نعمة على أن تكون الآيات القرآنية التي تزين المجسم هي نقل حرفي عن مبنى القدس الأصلي، بطريقة الكتابة والخزف، حتى يستطيع المشاهد للمعلم أن يتأكد من أنه يرى القدس بكل تفاصيلها، ليكون إهداء هذا العمل هو تأكيد "تمجيد وتكريم لقبة الصخرة المشرفة الأصل، وإرسال تحية من الأردن للقدس، وتحية كبيرة لأرواح الشهداء الذين ناضلوا من أجل فلسطين والحق المغتصب"، كما جاء في أحد تصريحاته الصحفية. وغير ذلك، يُعد نعمة من أبرز الفنانين الأردنيين في مجال النحت والرسم، وله خبرة كبيرة في مجال تصميم الديكورات، والتي من خلالها كان له لمسة في أفخم الأماكن التي تزينت بنحوته المميزة، ومن أشهر أعماله المنحوته بعد قبة الصخرة، النسر الذي يزين منطقة دابوق، ويعد من أجمل التصاميم كذلك؛ حيث كان قد أهداه لجلالة الملك عبد الله الثاني، والذي تم وضعه في المكان الذي هو فيه حالياً.
وقد عمل نعمة تصاميم مميزة في القصور الملكية، والعديد من اللمسات الفاخرة لعدد من الفنادق الكبرى في الأردن، لتكون بصمته واضحة في أكثر من موقع، تحلق حولها روح الفنان نعمة، الذي يتعمد في كل مرة أن يقدم هذه النحوت بشكل "مجاني" للمحافظات الأردنية بدون مقابل، إلا أن تكون حاضرة وشاهدة، كما في مجسم الأقصى الذي أمسى على مداخل الكرك.
وعُرف عن الفنان نعمة، الذي توفي وهو في بدايات عقده السابع، بين معارفه ومحبيه أنه شخص ذو ثقافة عالية يتميز بالهدوء والمنطق الطيب، وله العديد من الأقوال التي أصبح كثيرون يدونونها، كما في قوله "إن الأيادي النظيفة التي تتحرك بفعل الوجدان والشرف الحياتي هي فقط التي يحق لها أن تنحت الصخور، والأيادي المتسخة، الأجدر بها أن تشكل نفسها من الوحل والطين".