"الفورمولا 1" رياضة ذهنية وبدنية على الحلبات وخارجها

سائق مرسيدس فالتيري بوتاس - (أ ف ب)
سائق مرسيدس فالتيري بوتاس - (أ ف ب)
باريس - لا تقتصر سباقات سيارات الفورمولا 1 على الحلبات؛ اذ تتطلب من السائقين التمتع بلياقة بدنية وذهنية عالية، ترافقها قدرة على التحمل، رد الفعل، نطاق الرؤية، التحليل واتخاذ القرارات المناسبة، وهدوء خارج عن المألوف. لا يمكن عدم تصنيف السائقين ضمن خانة الرياضيين، فالفورمولا 1 تلزمهم التمتع بحالة بدنية على أعلى المستويات، والقدرات التي عليهم اكتسابها تتطلب منهم التدرب على تنميتها طوال الموسم. يشرح الفرنسي بيار غاسلي سائق تورو روسو الحالي وريد بول سابقا لوكالة فرانس برس ماهية التمارين بالقول "ثمة الكثير من تمارين تنشيط القلب، الجري وركوب الدراجة الهوائية والسباحة. نقوم برفع الأثقال ولكننا لسنا بحاجة لرفع 150 كلغ. نعمل أكثر على ناحية التحمل العضلي لأن السباقات تدوم على الاقل لساعة ونصف الساعة، وعلينا أن نتفادى التعرض لتشنجات عضلية بعد حوالى ساعة و20 دقيقة". ويتابع "نعمل كثيرا على تقوية عضلات المعدة لنيل استقرار جيد". لا يهتم سائقو الفورمولا 1 كثيرا خلال تمارينهم بتنمية كتل عضلية لأن الوزن هو عامل حاسم في الفئة الأولى (الكيلوغرامات تعادل أعشار من الثانية يمكن اكتسابها أو خسارتها). ويوضح الطبيب الإيطالي ريكاردو تشيكاريلي، مؤسس شركة "فورمولا ميديسين" (طب الفورمولا) التي أشرفت سابقا على تمارين ابن إمارة موناكو شارل لوكلير (فيراري) وحاليا سائق ويليامز البولندي روبرت كوبيتسا، "نعمل كثيرا على الحلبة، وننتقل من تمرين إلى آخر، كي تكون التمارين مكثفة وغير مملة والتأكد من تنشيط متناوب لمجموعات عدة من العضلات". ويتابع "نلجأ للعديد من الوضعيات غير الثابتة، ما يسهم في التوازن وحساسية الجسم، وهو أمر مهم لأن السائقين يجب أن يكونوا مدركين لتحركات سياراتهم". يتعرض السائقون لتسارع وتباطؤ فجائي ولقوى جاذبية كبيرة عند المنعطفات، تصل حتى 5 أو 6 "جي" (في إشارة إلى قوة الجاذبية، أي أنهم يتعرضون لقوة ضغط توازي خمسة أو ستة أضعاف وزنهم)، ويتوجب عليهم تحمل ما يصل إلى خمسة أو ستة اضعاف وزن رأسهم والخوذة التي تحميهم، ما يبرز أهمية العمل على عضلات العنق باستخدام آلات تشبه أدوات التعذيب. ويحدد سائق مرسيدس الفنلندي فالتيري بوتاس نوعية التمارين "ثمة أشرطة مطاطية أو جلدية يمكن وضعها حول الرأس، متصلة بأوزان أو حتى خوذ. أقوم بذلك في المنزل ولكن تلاحقني النظرات الغريبة في صالة التمارين! يمكن أن تكون مؤلمة بعض الشيء عندما تستأنف التمرين بعد التوقف خلال العطلة بين موسمين، ولكني أحب هذا". ويؤكد تشيكاريلي أن الجزء المتبقي من العمل هو ذهني؛ اذ يقترح على السائقين حصص تدريب من ثلاث ساعات ونصف ساعة يوميا، مع التركيز على العمل البدني لتسعين دقيقة، وتخصيص المتبقي للذهن. بدأت هذه التمارين الذهنية تجد طريقها الى الرياضة منذ نحو 25 عاما، وتطورت أساليبها بسرعة كبيرة في بداية الألفية الثالثة، بالتوازي مع التطورات في المعلومات وتقنية الصورة. وعلى سبيل المثال، يعمل السائقون على تحسين رد فعلهم ومجال رؤيتهم باستخدام آلة تنار أضواؤها الواحد تلو الآخر؛ حيث يتوجب عليهم إطفاؤها بأسرع وقت ممكن عن طريق لمسها، أو إعادة كرات تأتي من كل الجهات وفي وقت متزامن، في تمرين مشابه لما يقوم به أحيانا لاعبو كرة المضرب. كما بدأ في الآونة الأخيرة اعتماد تقنيات الواقع الافتراضي في التمارين. ويقول غروجان "هذا تحفيز عصبي. لا نستخدم قدراتنا الذهنية بالكامل ونحن نعرف ذلك. الأمر يتعلق بتنشيط خلايا عصبية تسمح بمعالجة معلومات أكثر مما كنا نستطيع فعله سابقا". ويوضح السائق الفرنسي "العيون ترسل لنا دائما العديد من المعلومات ولكن في امكاننا دائما التعامل مع المزيد، (على سبيل المثال) أن أكون قادرا في الوقت عينه من التحدث إليكم وأن أرى (شخصا آخر) وهو يلعب بالقلم، وأن أشاهد (السائق البريطاني) لويس هاميلتون يظهر على شاشة التلفزة". تقدم مؤسسة "فورمولا ميديسين" حلولا للتدريب الذهني تشمل اعتماد آلات قياس معدل نبضات القلب والنشاط الدماغي للسائقين لتقييم مستوى الإجهاد والطاقة المستهلكة، توصلا الى سبل الحد منها خلال السباقات. ويؤكد لوكلير سائق فيراري الذي كان بارعا في هذه التمارين "في بعض الأحيان، لدينا انطباع بأننا نشعر بالتوتر ولكن لا نكون (متوترين) أو العكس صحيح. يتطلب الأمر سنوات لفهم ذلك". ويضيف "لاحقا، عندما ندرك ذلك، يجب فقط تعلم التقنيات من أجل الاسترخاء أو التحفيز، من أجل محاولة أن نكون دائما ضمن النافذة الأفضل من الناحية الذهنية من أجل استخراج الأفضل من أنفسنا".-(أ ف ب)اضافة اعلان