الفوز: نحاول أن نؤسس مناخا إبداعيا ولكن المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم

الفوز: نحاول أن نؤسس مناخا إبداعيا ولكن المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم
الفوز: نحاول أن نؤسس مناخا إبداعيا ولكن المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم

شاعر سعودي يرى أن الناقد العربي هدام وثرثار ويجلب الكآبة

 

عمان- الغد- محمد الفوز، شاعر وجد ذاته في الشعر رغم تعدد مواهبه في ضروب أدبية وفنية عديدة، هرب من التشكيل والخط إلى القصة ثم عاد إلى الشعر الذي يراه مصدرا يمد روحه بالسحر والجمال، متوتر من المجهول ويبحث عن غدٍ محتمل، أسس مع زملاء له (ملتقى الوعد الثقافي) وقاد جماعة الشعر في أدبي الشرقية بنجاح، عمل في الصحافة منذ زمن طويل وله مجموعات شعرية من أهمها "ليل القرامطة". في هذا الحوار الذي اجراه معه الكاتب حسين الجفال يتطرق الفوز الى تجربته وتجارب مجايليه من جيل الشباب الذين راهنوا على غد متجدد ومعتق من الكتابة المصطنعة.

اضافة اعلان

* بدأت قاصا وتحولت للشعر، إلى أين تركن روحك؟

- المبدع كائنٌ نزقٌ يتماهى في كُل شيء من حوله، بعض الرهانات خاسرة، والتعدد في الاتجاه مثارُ العزلة، لقد بدأتُ تشكيليا وخطاطا كأولِ عبثٍ أبرهنُ من خلاله وجودي أو بالأحرى اكتشافُني للآخر وهو تحريضٌ على الدهشة التي تتجاوزُ المكانَ إلى أبعاد واهمةٍ لا تنكفئ، ثم كتبتُ القصة ومارستُ ارتجالَ الحكايا والشعر الشعبي، ولم أجدْ ذاتي إلا في الشعر حيثُ تورطتُ به مع أولِ ارتعاشةٍ في جسدي بالمراهقةِ الأولى طبعا، لمْ ينبش أحاسيسي المرتبكة آنذاك إلا الشعر..... وحده طاقة سحرية تشد الروح من أقصى الخفقان؛ أما روحي الآن!!!

أكادُ أهتك ستر القلق الذي يختطفني كل لحظة من مباهج المدن وتيار الحداثة، أشتغل كثيرا، ولدي خبرة جيدة على المستويين المعرفي والابداعي لكنني متوتر من المجهول المحتمل هو شماعة آلامي وقيامة اللعنات التي أخلعها برهافةِ النوايا.

* جئت من الأحساء وسكنت الخبر وأقمت حتى ظن الجميع انك مغترب عنها، كيف تقيم المشهد الأحسائي الطارد لكل ما هو حداثي في ضوء ولادة نادٍ يضم شتات المثقفين رغم تباين ثقافاتهم؟

- الأحساء كأيِّ ريفٍ لا يحظى بالتعدد والاختلاف، عشتُ بالأحساء طفولتي الأولى وكانتْ روحي محلقة/ كنتُ أحلمُ، والأحلامُ جريمة والحرية مفقودة، والوعي يتشكل بصمتٍ، لذلكَ لم أستطع التعايش كثيرا مع الفوبيا واللغط الاجتماعي والتوتر الطائفي وما إلى ذلك من سياقات التشتت التي كانتْ تسود الأحساء آنذاك، رغم أني عشتُ آخر منعطفات التحول الحضاري في الثمانينيات إلا أنني أعترفُ بعُمقِ التجربة ومتناقضاتها جعلتني أكونُ واعيا بحجم الرهان الثقافي الذي أراهُ مشوها في الآونة الأخيرة، رغم ولادةِ "نادي الأحساء الثقافي" الذي أظنه سيكونُ هدَّاما لرؤى الحداثة المنكوبة بفِعلِ الأحادية في التلقي، هناكَ نُخبة ثقافية ولكنها لم تؤثر شيئا في مشهد الفكر إزاء التمترس الذي يسحق كُلَّ اختلافٍ أو تصادمٍ على مستوى النظرية والحراك الثقافي أيضا.

* أسست مع الأصدقاء (ملتقى الوعد الثقافي) وكان المنتدى الأبرز من حيث التنوع والحضور في العامين الماضيين على مستوى المنطقة، على ماذا تراهنون في المشهد الثقافي المحلي؟

- ملتقى الوعد الثقافي كانَ حلما وما يزالُ حلما غاويا، بلا أيديولوجيا استشرفنا المشهد الثقافي السعودي وبحساسيةٍ عالية أردنا أن نؤسسَ مناخا إبداعيا مغايرا عن السائد/ أنْ نكسِرَ حدةَ الفوبيا بين المثقفين والمثقفات، أنْ نُعيد تشكيل الجيل الشاب برؤى منفتحةٍ على الآخر، وأنْ نُزجي حِسَّا هادئا عفويا على الساحة التي تئنُّ تحتَ وطأة التعالي والغرور، ثمةَ مسافة ودِّ استطعنا خلقها بلا وصايا، وكانتْ رهاناتُنا مرتبكة أو حالمة بمعنى آخر، والآن بوعي لا تنقصه الخبرة أستطيع أن أراهنَ على قدراتِ الجيل المعاصر الذي اختزلَ ثقافة النت وتحولات الحياة في نصٍ قابلٍ للسمو. المثقف الحديث يتلقى بسرعةٍ ويتفاعلُ بسرعةٍ ويفنى بسرعةٍ في لحظة الكتابة، الكتابة ليست مصيرا أو قدرا للمثقف إنما أداة تعبير تزفُّ الوعي للقارئ، وحينما يتماهى الوعي بين رؤيتين مختلفتين -بالضرورة- تكونُ القيمة أكثر جدوى في حوارٍ يُسيِّره الإبداع لأجل الإبداع ومهما تكن النزعة مثالية إلا أنها تركت وشما في الذاكرة، والرؤى تنمو في ذواتٍ خصبةٍ لا يقمعها الخوف من السلطة.

* أنت قارئ جيد بحسب تتبعي لما تنشر وتكتب في النت والصحف، كيف ترى هذا الإسهال المهيب في هطول الرواية السعودية؟ وهل هو جانب صحي يؤدي بالضرورة للفرز بين الجيد والرديء ويبقي هذا ويطمس ذاك؟

- الرواية المحلية تتدفق بشكلٍ جميلٍ، ولستُ مع الإسهال إلا أننا في مرحلة ما قبل الرواية إن صحَّ التعبير، إذا كانتْ الرواية أنتجتْ جيلا قارئا، وأسستْ لحريةٍ مدنية فإنها ضمن اشتراطات الحداثة التي تفترض احتمالاتٍ عدة وتبثها في صيغة أسئلة أو مفاهيم صادمة تجتذب المفكر أو المتلقي للإجابة عنها أو النقاش فيها، الرواية أحدثتْ صدمة اجتماعية فيما تطرحه من أفكارٍ مستلبة وقيمٍ مستورةٍ ونبش للمسكوت عنه، الاقتراب من التابو في الرواية المحلية هو اتجاه للحرية، وقطع الاغلال، والتمرين على نقد الذات في العلن وإعادة تكوين العادات التي استمرأنا وجودها رغما عن التحول الاجتماعي في عصر التكنولوجيا وقيامة الأسطورة من جديد، كل هذه العوامل يجب أنْ تكونَ حافزا أكبر للكتابة والتمرد على الخيبة.

* ما الذي يؤرق محمد الفوز كمثقف؟

ثمة مقولة للروائي الروسي ليوتوليستوي "المفكرون الأحرار هم أولئك المستعدون لاستعمال عقولهم من دون حكم مسبق، ومن دون خوف، لفهم الأشياء" وهو يتناص مع غاستون باشلار في مسألة عدم الحذر في استقبال المعرفة أو إعلانها، كنتُ أتصفح كتاب (دوائر الخوف) لنصر حامد أبو زيد وقد أرقني حظر الحرية وقمع المفكر وإبعاده عن زوجته ووطنه، أيُّ ثقافةٍ وأيُّ إبداعٍ ندعيه والفكرةُ نُمارسها بالتورية والغموض، أعتقد أن سبب الغموض في الإبداع العربي هو الخوف من الرقيب، هناكَ رقابة مزدوجة وإحساس مزدوج في عقليتنا وحياتنا معا، وأتذكر حديث الروائي السعودي أحمد بودهمان حول إصدار رواية "الحزام" باللغة الفرنسية ثم ترجمتها للعربية، إنه تحدث بشهقةٍ عن أفول الحرية وعدم احترام العقل المبدع، بعكس الغرب الذي يحتفي بالكتب الجادة ويضع المثقف في مرتبة عالية، المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم وغير معترف بقدراته، بل ومضطهد، هكذا نعيشُ بإرادةٍ ناقصةٍ، والمشكلة الأكبر هي أنَّ المثقف عندما يتولى منصبا في مؤسسةٍ ثقافية أو غيرها يكونُ أقسى على الآخرين من غيره، بمعنى يتحول الاستبداد إلى حالة مرضية كاستعادة الكرامة أو لنقُل لإثبات الذات ولذلك تتفشى لدينا مركزية العمل، وجفوة القرار، ما يؤرقني هو ألا نجد للشباب متسعا، الكبار استغلوا كل شيء في مجتمعنا، إذا لم تَكُنْ كهلا ولم تُداهمكَ الشيخوخة فانتظرْ نصيبكَ في زمنٍ ما، وفي حُلمٍ آخر، للأسف اننا نتربى على قيمٍ جاهلية، ولا نتطور بل اننا نُحاصر كُلَّ دُعاةِ التغيير، وهذه عقلية جماعية تتصف بالبطش والغباء المادي لا أكثر.

* كيف ترى متابعة النقاد للمنجز الإبداعي في المملكة، ولماذا يؤكد الكتاب ان بينهم وبين النقاد مسافة كبيرة، هل الناقد إنسان فوقي؟

- بالتأكيد، الناقد العربي كاتبٌ فاشل لأنه هدَّامٌ وثرثارٌ يجلبُ الكآبة والغثيان وهذه ظاهرةٌ محليةُ وعربية، ولكل ظاهرة قلائل حريصونَ على الحُلمِ كما يُشير سارتر "الإنسان خُلق ليقضي على الإنسان في داخله، وليفتح روحه لجسد الليل المظلم"، ومهما يكُن فالنقدُ مثل المراجيح التي تعبثُ بأفياء المكان، للنقدِ اشتراطاته وجنونه أيضا، وسيظل النقد العدو اللدود لكل النصوص المغايرة وهو العدو/ الحميم الذي ألفناه رغم ضغينةٍ خابية وفرحٍ مخاتلٍ أحيانا.