الفيتو الأميركي: هل يحمي حق الفلسطينيين في تقرير المصير؟

صغيرة فلسطينية تلوح بعلم فلسطين - (رويترز)
صغيرة فلسطينية تلوح بعلم فلسطين - (رويترز)

جون فرنسوا لوغرين* - (لوموند) 20/09/2011  

ترجمة: مدني قصري

في العام 2003 أنشأت السلطة الفلسطينية وزارة للخارجية. ولم تدن إسرائيل ولا المجتمع الدولي هذا القرار الذي كان مع ذلك يناقض اتفاقيات أوسلو. وقد حرمت هذه القرارات السلطة الفلسطينية الانتقالية بالفعل من كل طاقة دبلوماسية كتلك التي تتمتع بها منظمة التحرير الفلسطينية. وجعلت السلطة الفلسطينية من هذه الوزارة "التسلية" رمزا لتقدم المطالب الوطنية، بدون أن تحسب أي حساب لعواقب ما أصبح فيما بعدُ فخًا حقيقيا. اضافة اعلان
كان هذا الحدث، بشكل من الأشكال، يشكل مخطط المسار الفلسطيني لدى منظمة الأمم المتحدة المقرر في نهاية أيلول (سبتمبر). وحتى وإن لن يتم الكشف بشكل نهائي عن مُتلقي هذا الإجراء (مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو الاثنين معا) وموضوعه (قبول دولة فلسطين عضوا مراقبا بدلا عن منظمة التحرير الفلسطينية) إلا في آخر لحظة، فإن أحد لن يترقب استقلالا، أو سيادة، أو حقا في العودة.        
كم هو بعيد عنا شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 عندما أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية قيام دولة فلسطين، التي حظيت باعتراف أكثر من 100 دولة، اثنتان منها عضوان في مجلس الأمن. وقد رافق ذلك الإعلان الذي جاء من الخارج من قبل هيئة برلمانية مفوضة حسب الأصول، تنازل عن العنف. وكان الأمر استجابة للمطالب الدولية بقبول تقسيم فلسطين، ووضع الأسس القانونية للكيان المنتظر، منطقياً، أن يكون واحدا من المستفيدين من هذا التقسيم.
إن إحلال الأمم المتحدة دولة فلسطين محل منظمة التحرير الفلسطينية يعني، بعيدا عن مبدأ حق تقرير المصير، إنهاء عملية أوسلو (وليس إلغاءها كما يدعي الطرف الإسرائيلي)، وهو الأمر الذي يمكن تلخيصه كالتالي: كيف يمكن الانتهاء من المطالب الوطنية الفلسطينية المعترف بشرعيتها من قبل الأمم المتحدة، بإقناع الفلسطينيين بأن يدينوا أنفسهم بأنفسهم؟
من المفارقة أن لاجئي الخارج، المقيمين في تونس، هم الذين استجابوا للنداء. فقد تم إسكاتهم مقابل ثمن حق العودة الممنوح لهم من قبل إسرائيل بشكل شخصي، زعماء الضفة الغربية وغزة المعارضين لعملية كانوا يتوقعون نهايتها. فقد حلت السلطة الفلسطينية محل منظمة التحرير الفلسطينية، وبذلك حرمتها من كل تجديد، على الرغم من النداءات المتكررة بإعادة تشكيلها. ومع ذلك فإن منظمة التحرير،  حسب النصوص القانونية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين الذين يعيش معظمهم في الشتات، وهم لاجئو العام 1948، وأحفادهم النازحون في العام 1967 (فضلا عن الفلسطينيين الإسرائيليين). أما السلطة الفلسطينية فهي مسؤولة عن استقلال أهالي قطاع غزة وبعض أجزاء الضفة الغربية (40 % من مساحتها، استثنيت منها القدس التي ضُمت العام 1967) لفترة انتقالية.
يبدو أن الطرف الأميركي كان في العام 2009 صاحب فكرة بناء "دولة فلسطينية قبل إنهاء الاحتلال" كما جاء على لسان رئيس وزراء رام الله، سلام فياض، المكلف بتفعيلها. كانت تلك فترة خطاب القاهرة. وقد ردد الفكرة على الفور خافيير سولانا على المستوى الأوروبي، ثم رددتها الرباعية من بعده. والبعض يقولون أن الاقتراح، بالنظر إلى المصالح الفلسطينية، نزيه ومرض في الأصل، مثلما كان كذلك في أوسلو. فيما قد يرى البعض الآخر أن الأمر ينطوي على نية سيئة خبيثة أصيلة. فبعد أن تحولت الفكرة إلى تهديد في الخطاب الدبلوماسي الإسرائيلي، اختفت من أجندة الولايات المتحدة الأميركية.
أيا كانت نوايا أصحاب هذه الفكرة، فإن منْح الأمم المتحدة، بناء على طلب الفلسطينيين أنفسهم، مقعدَ منظمة التحرير الفلسطينية لدولة فلسطين، مجردة من مسألة اللاجئين، ومحرومة من السيادة، فإن هذا المنح قد يعتبر شكلا من أشكال التنازل عن الحقوق الفلسطينية الوطنية، على نحو ما كانت مطروحة أصلاً. فحسب القانون الدولي سيتم تقليص الشعب الفلسطيني بالفعل، بصفته كيانا قانونيا وسياسيا، إلى حدود الشعب المقيم في حدود هذه الدولة، أي سكان قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية. ففي مثل هذا السياق قد يحفظ الفيتو الأميركي بشكل مفارق، الحفاظ على حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
وأيا كان مخرج المسار الفلسطيني لدى منظمة الأمم المتحدة، فإن مسألة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، الوكيل الشرعي للدفاع عن هذا الحق، تطرح نفسها من جديد بكثير من الإلحاح. فما من منظمة فلسطينية واحدة رأت خلال السنوات الأخيرة أي ضرورة في أن تشترط مما بقي من منظمة التحرير الفلسطينية، تفعيل المطالب التي ما فتئت تُطرح في هذا الشأن في إطار الحوار الوطني. والمنظمات الوطنية التاريخية (فتح بالطبع، وكذلك الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية، إلخ) مهووسة بخطر فقدان السيطرة لصالح الإسلاميين، وتفضل استمرار الأوضاع الراهنة. وهي تلقى في ذلك كل الدعم من المجتمع الدولي. أما حماس، فلم تسْع حقا إلى توظيف التجربة التي شكلت انتصارها في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني (يناير) 2006.
لقد امتزج إيمان الشعب الفلسطيني الراسخ بحق يحظى في نظره بالدعم الإلهي بغياب كل مصداقية إزاء مجتمع دولي يعتبره حليفاً لإسرائيل. وكلا الأمرين دفعاه إلى جعل الممارسة الدينية الوسيلة الوحيدة للحفاظ على وحدة الشعب في انتظار تحرره النهائي. وبكامل المنطق يقع على المجتمع المدني في مجموعه، وعلى اللاجئين في الشتات على الخصوص، أن يعلنوا القطيعة مع خمولهم ولامبالاتهم بجعل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية أمرا لا مفر منه، باسم المطالب المرتبطة بحقه في تقرير المصير.

*باحث في المعهد الوطني (الفرنسي) للبحث العلمي
*نشر هذا المقال تحت عنوان:Le veto américain, ultime moyen de préserver le droit des Palestiniens à l'autodétermination ؟

[email protected]