الفيروس الفتاك: الطائفية!

يعكس تفسير مساعد وزير الأمن الإيراني حجة الإسلام خزاعي، للأسباب الكامنة وراء دعم طهران لنظام الأسد، التحول المهم في السياسة الخارجية الإيرانية. إذ يتحدث خزاعي عن التنافس مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بوصفها "مركز الشيعة في العالم". وهو تعبير يختصر التحول المهم في السياسة الخارجية الإيرانية التي لم تعد تسعى اليوم إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول العربية، بقدر ما تركّز على "النفوذ الإيراني" في المنطقة، وهو نفوذ يستند بصورة أساسية إلى البعد الطائفي.اضافة اعلان
ويقدّم الباحث الإيراني كيهان بارزيجار (في مركز البحوث الاستراتيجية المقرّب من دوائر الحكم في طهران) تصوّراً واضحاً لدور العامل الشيعي في السياسة الخارجية الإيرانية، وذلك في مقالته المهمة "Iran and the Shia Factions: Strategic Coalition"، التي نشرت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.
بروز هذا العامل جاء مع احتلال العراق من قبل القوات الأميركية، وما تبعه من صعود القوى الشيعية في العراق، إذ مثّل العراق "حجر الأساس" في المرحلة الجديدة. فالتخلص من الجدار البعثي من جهة، وتمكين الشيعة من حكم العراق الجديد للمرة الأولى، منذ فترة طويلة، ليس بالحدث العابر أو الثانوي بالنسبة للشيعة، بل هو بمثابة لحظة مفصلية في تاريخ المنطقة!
وتبني مفهوم "العامل الشيعي" يرتبط بالمشهد الداخلي الإيراني نفسه، في سياق انقسام كبير حول نتائج الثورة وما حققته للمواطنين منذ العام 1979، اقتصادياً وثقافياً. وهو انقسام وصل إلى طرح سؤال الشرعية بشأن مبدأ "ولاية الفقيه" نفسه؛ إذ ساهمت انتخابات 2010 وما أعقبها من مصادمات واحتجاجات، في إحداث هزّة  قوية في هذا النموذج داخل إيران نفسها، ما يجعل من تصديره أو تبنيه في الخارج مسألة أكثر تعقيداً وصعوبة، ما جعل هدف "المحافظين الجدد" في القيادة الإيرانية مختلفاً في السياسة الإقليمية. يوضّح ولي نصر في كتابه "صحوة الشيعة" طبيعة التحول: "بخلاف آية الله الخميني وأجندته القاضية بالتقريب بين المذهب السني والشيعي بلطف واتزان، يريد هؤلاء القياديون المحافظون من الثورة أن تمكّن الشيعة من حيازة السلطة وتوطيد الهوية الشيعية وتمكينها..". في الفقرات السابقة حاولت تلخيص ورقة عمل سابقة لي عن "العامل الشيعي في سياسة إيران الخارجية" (يمكن قراءتها على مدونتي: ). وما أريد الوصول إليه من ذلك هو أنّ النظر إلى إيران اليوم بمقاربة موضوعية لا ينطلق من مفاهيم الممانعة والاعتدال، فهي "غطاء أيديولوجي" لسياسة تتسم ببراغماتية شديدة، تستغل حتى العامل الطائفي الشيعي نفسه، لخدمة النفوذ الإقليمي للدولة.
إيران الممانعة والمؤيدة لحزب الله هي نفسها التي سهّلت الاحتلال الأميركي للعراق، ومنعت الشيعة من المشاركة في الثورة الوطنية ضده، وهي نفسها التي تدعم اليوم نظام بشار الأسد، لا لأنّه نصيري، بل لتوظيف هذه الورقة ضمن مساحة النفوذ الإيراني.
بالضرورة، من حق إيران البحث عن مصالحها وتوسيع نطاق نفوذها في سياق حالة الفراغ الاستراتيجي الحالية في العالم العربي. لكن من حقنا أيضاً أن نقرأ السياسة الخارجية الإيرانية بصورة واقعية لا واهمة أو طوباوية، ومن حقنا كذلك أن نقلق من هشاشة "المعادلات الداخلية" في الدول العربية، وسهولة توظيفها من قبل الخارج، سواء إيران أو الدول العربية أو حتى الولايات المتحدة، عندما استخدمت الدعاية نفسها في احتلال العراق العام 2003!
قبل هذا وذاك، علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا عندما تتحول "الورقة الطائفية" إلى أحد الأحجار الرئيسة في "اللعبة الإقليمية"؛ فهي الفيروس القاتل الذي يتكفّل بتدمير السلم الأهلي ويدفعنا نحو ظلام دامس!

[email protected]