القاعدة في السعودية: دلالتا السن والمشاركة في القتال

تشهد السعودية منذ عام ونصف تقريباً مواجهات بين السلطات السعودية والتيار السلفي- الجهادي، أو ما يسمى بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ما بين عمليات تفجير في العاصمة السعودية الرياض، والخبر في المنطقة الشرقية، وكان آخرها عملية اقتحام القنصلية الأميركية في جدة، وما بين اعتقالات وقتل بالمقابل من قبل السلطات السعودية.

اضافة اعلان

هذا المقال هو عبارة عن نتائج أولية لدراسة أوسع يقوم بها كاتب السطور بغية رسم خلفية سياسية-اجتماعية للأفراد المنتمين إلى تيار العنف هذا، وذلك من خلال تحليل الأسماء التي طرحت من قبل الحكومة السعودية. على أن المقال يرصد دلالتي السن والمشاركة في القتال فإن الدلالات الأخرى ستكون موضوعاً لمقالات أخرى لاحقة لحين اكتمال الدراسة كاملة.

يعتمد هذ التحليل على القوائم التي أصدرتها الحكومة السعودية وهي: قائمة المطلوبين الـ19 بتاريخ 9/5/2003، وقائمة الـ26 بتاريخ 7/12/2003، اضافة إلى قائمة معتقلي ما عرف بـ"شقة الخالدية" في المدينة المنورة 17/6/2003، ومن ثم قائمة منفذي عمليات مجمعين سكنيين في العاصمة السعودية الرياض مايو 2003، وأخيراً منفذ عملية تفجير مجمع المحيا السكني بالرياض. وذلك بالاعتماد على المعلومات المتاحة عنهم والتي نشرت في الصحف السعودية وفي أدبيات التيار وخاصة مجلتهم المعروفة بـ"صوت الجهاد". وقد تم استبعاد غير السعوديين (ثلاثة تشاديين ومغربيان ويمني وكويتي ومصري وكندي من أصل عراقي) و ثلاثة سعوديين لم تتوفر عنهم معلومات تفي بغرض التحليل.

من خلال استخراج المتوسط الحسابي للسن يلاحظ أن متوسط السن لممثلي التيار هو 28.4  سنة بمعنى أن أغلب هؤلاء من المعاصرين للحقبة الافغانية الثانية أو "الحقبة الطالبانية"، حيث أن بهذا المتوسط كان أحدهم يبلغ 14 عاماً عند انتهاء الحرب الافغانية ضد الاتحاد السوفيتي عام 1990، ولذا فهم من معاصري حقبة طالبان وتصاعد افكار أسامة بن لادن، وليس حقبة مواجهة التدخل السوفيتي في أفغانستان.

وهو ما يدفع إلى النظر في دلالة المشاركة في القتال حيث تجد أن نسبة الذين ذهبوا إلى افغانستان خلال الحقبة الطالبانية (والبعض له خبرات قتالية في مناطق أخرى بالاضافة إلى افغانستان)، أو أثناء بدء الحملة الأميركية على افغانستان هي 27 شخصا بنسبة 53%، بمقابل 13 شخصا بنسبة 25.5% لم يسافروا إلى أي منطقة للمشاركة بالقتال، و14 بنسبة 21.5% غير معروف إن كانوا قد شاركو بالقتال في أي منطقة (انظر الجدول المرفق) وهو ما يدلل على أن أغلب المتهمين هم المتأثرون بالحقبة الطالبانية بحيث شكلت هذه الحقبة مصدراً فكرياً أساسياً لهم وهي السلفية-الجهادية، وهو ما يفسر التأسي المستمر في أدبياتهم على سقوط نظام طالبان.

واستناداً إلى هذه النتائج ومراجعة أفكار هذا التيار من خلال رصد وتحليل بعض أدبياته، يمكن استخلاص ثلاث نتائج تؤشر إلى حالة ومستقبل القاعدة أو التيار-السلفي الجهادي في السعودية.

أولاً: يلاحظ أن هذا التيار يزعم أن سلوكه العنيف موجه ضد "الحملة الصليبية-الصهيونية"، ويعدون "حربهم" جزءاً من حرب "صليبية" تشن ضد الاسلام والمسلمين في كل مكان فيوردون أسماء فلسطين، والعراق، وغوانتانامو، والشيشان، وأفغانستان، والفلبين، وكشمير، وبالتالي يعلنون "ارتداد الحكومة السعودية وعمالتها لسماحها بوجود قوات أميركية على أراضيها مما يوجب القتال". ومع أن نشر الولايات المتحدة لقواتها في قواعد سعودية مابين 1991-1992 أصبح مصدر معارضة اسلامية لاخراجهم باعتبارها قواعد لضرب المسلمين، الا أن الحكومة السعودية أعلنت سحب القوات الأمريكية من قواعدها العسكرية في السعودية، وعرضت صوراً للانسحاب، ورغم أن هذا التيار يرفض ذلك، ويعتبر القوات ما زالت في السعودية، فيلاحظ أن المطالبة باخراج القوات الأميركية والتي ينادي بها التيار المتبني للعنف أنما هي –على ما يبدو- شعار تحريضي لتحقيق غاية هذا التيار السياسية بوسيلة العنف، أكثر من كونه مطلباً فعلياً.

 ان استقراء مجلة "صوت الجهاد" والدعوات المتكررة فيها إلى تحريض الشباب لمواجهة السلطة والبدء بعمل "جهادي"، وسرد العديد من القصص التي تورد حول سير العمليات، ومواجهة السلطة، والهرب وغيرها من التصويرات الأقرب إلى بيئة الصراعات المسلحة، منه إلى احتجاج مسلح يطالب بمطالب آنية يدلل على السعي لتحويل السعودية الى "ملاذ آمن" لانطلاق العمل المسلح لهذا التيار. وفي الدولة السعودية مزايا استراتجية أفضل من افغانستان بحكم الموقع الجغرافي المحاط بالبحار ووجود سلعة استراتجية كالبترول. 

ثانياً: يلاحظ أن هذا التحول في الصراع والسعي لنقل المعركة إلى الداخل السعودي يعبر عن حالة الفشل الذي لقيته هذه الجماعات في أفغانستان بعد بدء الحملة الأميركية، خاصة مع ادراكنا أن غالبيتهم من المتأثرين بالحقبة الطالبانية بل منهم من شارك في المعارك ضد الولايات المتحدة، فهزمت بمواجهة ما تسميه بـ(العدو البعيد) وبالتالي ارتدت لمواجهة (العدو القريب)، في استعادة لفكرة الإسلامي "محمد عبد السلام فرج" حول أولوية مواجهة "العدو القريب" قبل "العدو البعيد"، فبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر وهزيمة التيارفي افغانستان عاد تيار العنف الإسلامي ليواجه "العدو القريب" مرة أخرى، وهذا ما تظهره قائمة أسماء المطلوبين في السعودية بأن الحقبة الطالبانية كات مصدراً فكرياً لهم، لذا فعدم الاعتراف بفشل مشروعهم دفعهم إلى نقل المعركة إلى "العدو القريب" طالما التنظير لذلك موجود. حيث تسوغ هذه الثنائية لاستمرار تلك الجماعات وعدم اعترافهم بفشل ايديولوجيتهم الخَلاصية النابعة من طبيعة التفكير الأصولي في كل الايديولوجيات العقائدية والتي ترى العالم صراعاً بين الخير والشر، وعلى ذلك فإن النجاحات المتكررة للأمن السعودي ضد التيار قد تدفع المنضوين في هذا التيار إلى اعادة البحث عن "عدو بعيد" مرة أخرى.

ثالثاً: إن أساليب التفكير بين التيارات الشمولية العقائدية متطابقة، فرغم الاختلاف الايديولوجي والتنظيمي عن الجماعات الاسلامية المسلحة، الا أن اطار الطبيعة الشمولية للفكر تبقى القاسم المشترك بين الحركات الشمولية العقائدية والتي تحمل ايديولوجية "خَلاصية" باعتبارها غير قادرة على الاعتراف بفشل مشروعها السياسي أو الاجتماعي أو الاخلاقي لأنه مستمد من رؤية تدعي الحقيقة المطلقة ، ويمكن ايراد عدة أمثلة من الأحزاب الايديولوجية في العالم العربي فمثلاً الحزب السوري القومي الاجتماعي والذي أسسه "انطوان سعادة"، والذي كان ينادي بوحدة سوريا الجغرافية (الأردن، سوريا، العراق، فلسطين،لبنان واضيفت لها لاحقاً قبرص) أخذ ينادي بإسقاط "الحكومات العميلة" في الوطن العربي بعد عام 1948 حين كانت اولويته "تحرير فلسطين"، وكذلك الحال بعد حرب 1967 حين تنادت بعض المنظمات الفلسطينية بشعار "تحرير القدس يبدأ من تحرير عمان"..أو أي عاصمة أخرى.

[email protected]