القانون الأساس: الضم

منظر عام لقبة الصخرة المشرفة واحياء القدس الشرقية المحتلة.-( ا ف ب )
منظر عام لقبة الصخرة المشرفة واحياء القدس الشرقية المحتلة.-( ا ف ب )

هآرتس

ألون بن دافيد  3/8/2018

 

اللواء يئير غولان يبدو أنه لن يكون رئيس الأركان القادم. ليس لانه ليس ملائما. غولان هو من الضباط اللامعين والشجعان في جيله. ولكنه تجرأ على عمل ما لم يعد ممكنا في إسرائيل لاحد أن يعمله: فقد أعرب عن موقف قيمي لا يتطابق ورأي الحكم. إذا كان شك لدى أحد في صحة ما قاله في حينه، حينما قاله. وبعد الأسبوعين الأخيرين ينبغي الاعتراف بالفم الملآن: غولان كان محقا. 

اضافة اعلان

من اللحظة التي اطلق فيها رئيس الوزراء الاشارة يوم الاحد، انطلق وراءه كل فئران لوحة الحاسوب فأغرقونا بتيارات عكرة من العنصرية والقومية المتطرفة الظلامة. دعك من أن كل معارضي القانون صنفوا تلقائيا كيساريين، إن لم نقل خونة (وهذا على ما يبدو يتضمن أيضا اليساري الشهير موشيه آرنس والبروفيسور الن درشوفتس، الذي هو كما هو معروف رجل الصندوق الجديد). ولكن في ضوء كمية ردود الفعل التي مجدت كراهية الآخر وطهارة العرق اليهودي – ينبغي للمرء أن يكون أعمى كي لا يلاحظ السياقات التي تمر على مجتمعنا ويرى ماذا تشبه. 

عندما تجرأ اللواء غولان على أن يشير إلى ما كان واضحا لكل عين واعية انكمش قائده، رئيس الاركان غادي أيزينكوت. فقد اجبر غولان على ان يصدر ايضاحا متملصا يفيد وكأن أقواله، التي صيغت بعناية، لم تفهم على نحو سليم. 

غولان لم يتآمر لا سمح الله على صلاحيات القيادة المسؤولة عنه أو دعا لرفض الأوامر – بل قدم فقط تشخيصا اجتماعيا – قيميا حادا وأليما. لقد وضع مرآة نقية أمام المجتمع الإسرائيلي، ولكن مثلما كتب يوفال نوح هراري: "الفاشية تدفعنا لان نرى انفسنا أكثر جمالا بكثير مما نحن عليه حقا". والويل لمن يحطم هذه الصورة.

لماذا أجبر أيزينكوت نائبه على الانثناء؟ لا يمكن الاشتباه بأيزينكوت بانه عديم الشجاعة الشخصية أو الاستعداد للوقوف عند رأيه وقيمه في وجه المسؤولين عنه. ولكن من اكتوى على أنه تجرأ على الاعراب على الملأ عن موقف قيمي في قضية أزاريا، قرر ان يبتعد الجيش الإسرائيلي وقادته عن كل خلاف وان يكونوا "سفل سيرفس" (الخدمة المدنية) المطلقة: بلا أي رأي عام. 

غير أن رئيس الأركان ليس موظفا معينا آخر، وهو ليس مساويا في القيمة لمدير عام وزارة حكومية. ففي يده مودعة حياة مئات آلاف بني البشر. ويفترض به أيضا أن يعلمهم، وان يغرس فيهم القيم، ان يشكل لهم قدوة شخصية وان يتخذ نيابة عنهم أيضا قرارات الحياة والموت. مرؤوسوه وعائلاتهم يتطلعون اليه ويتوقعون ان يسمعوا منه موقفا قيميا. محظور على الجنود الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي الاعراب عن رأي عام، وخير ان هكذا. ويفترض برئيس الاركان أن يكون لهم فما ودرعا في المواضيع التي هي في أرواحهم وأن يوضح أيضا، جماهيريا، ما هي القيم المتوقعة منهم. 

قبيل نهاية ولايته لا بد سنسمعه في مقابلات صحفية ختامية. لديه غير قليل مما يقوله برضى: المعركة التي بين الحروب أصبحت تحت قيادته مرتبة وناجعة وحققت نتائج مذهلة حيال إيران وتسلح حزب الله. فقد نجح في أن ينفذ، لأول مرة منذ سنين، خطة متعددة السنين للجيش الإسرائيلي وان يقود سياسة حكيمة في مواجهة موجة أعمال إرهاب الأفراد التي هددت بإغراقنا. العملية الخطيرة والشاذة هذا الأسبوع في مستوطنة أدام وقعت بعد فترة من الانخفاض الكبير في العمليات وبعد رمضان أول منذ سنين لم تقع فيه عملية فتاكة. وما يزال يمكن الافتراض بانه سيسأل طويلا في هذه المقابلات عن قضية أزاريا التي تجرأ على أن يُسمع فيها موقفا واضحا.

يهودا أم خونة

كان رؤساء الاركان ذات مرة لاعبين سياسيين مستقلين. اذكر ايهود باراك يقف على التلة في اللطرون، يداه على متنيه، ويعلن بان "اتفاق اوسلو مليء بالثقوب كالجبنة السويسرية". شاؤول موفاز لم يخش اشراك الجمهور في خلافاته مع وزيري الأمن موشيه آرنس وبنيامين بن اليعيزر الراحل. خير أن قضت هذه الأيام نحبها. ولكن هناك مواضيع يتعين على رئيس الأركان أن يسمع رأيه فيها. 

لقد صمت أيزينكوت عن قانون التجنيد الجديد، رغم أن كل مرؤوسيه فهموا بان هذا القانون يثبتهم كإمعات. وفي مواجهة قانون القومية الذي ركل ركلة مباشرة في بطن كل ابناء الطوائف الذين يخدمون في الجيش لم يعد هو أيضا بقادر على أن يسكت. وسار بيانه حتى النهاية المشروعة لرجل الجيش واوضح بان في الجيش الإسرائيلي على الاقل – سيبقى الجميع متساوين. هذا القول مثلما أيضا هو "قانون الدروز" الذي يقترحه الان رئيس الوزراء كحل وسط، لن يجدي في رأب الصدع الذي شق بفظاظة في النسيج الهش للمجتمع الإسرائيلي. 

معظم الدروز سيمتصون هذه الضربة، رغم أنها مؤلمة لهم جدا. فهكذا عاشوا أيضا حتى اليوم، حين تمنحهم الخدمة العسكرية بطاقة دخول جزئية فقط إلى المجتمع الإسرائيلي. عند مجيئهم لطلب العمل أو لاستئجار شقة، فانهم يصطدمون بالعنصرية الإسرائيلية حين يعرفون انفسهم باسم لا يبدو يهوديا. في الانتخابات الاخيرة كان الحزبان اللذان نالا أكثر الأصوات الدرزية هما موشيه كحلون وأفيغدور ليبرمان. مثير للاهتمام أن نرى إذا كانا سينالان ذات الدعم في الانتخابات القادمة أيضا.

إن تأييد ليبرمان للقانون غريب، حتى أكثر إذا أخذنا بالحسبان أن الكثير من مصوتيه المهاجرين من روسيا يُعتبرون في نظر المؤسسة الحاخامية كمشكوك في يهوديتهم. ومنذ اليوم تمنع عنهم خدمات اجتماعية أساسية. اذا كان يعتقد أحد ما بان الميل الذي يعبر عنه قانون القومية سيتوقف عند الطوائف غير اليهودية على نحو واضح – فلينظر إلى مخامر بركان. هناك ما يزال، ورغم الانكشاف، يبعد الاثيوبيون عن الخمر خشية أن يدنسوه بلمسهم اياه. من سيكونون التالين في الطابور ممن سيحددون بانهم ليسوا يهودا بما فيه الكفاية. 

في نظري "رسول الرب" مثلما دعوه في القناة 20، بنيامين نتنياهو، هذا القانون هو نجاح عظيم. فقد نجح مرة اخرى في أن يمزق القبائل في المجتمع الإسرائيلي ويناطحها الواحدة بالأخرى ويقرر الاجندة المفضلة التي ستجرى عليها الانتخابات القادمة: مؤيدو قانون القومية هم يهود أخيار، ومعارضوه هم يساريون وخونة. ولكن من خلف الاعتبارات السياسية الفورية لنتنياهو تقف رؤية استراتيجية بعيدة المدى لقسم من المبادرين لهذا القانون. 

يستهدف قانون القومية شق الطريق لضم يهودا والسامرة مع ثلاثة ملايين فلسطيني، الذين يسكنون هناك. مع قانون القومية سيكون ممكنا ابقاؤهم في مكانة دون وعديمة الحقوق. يحتمل أن يكون الاستراتيجيون مؤيدو قانون القومية قد قرأوا نتائج استطلاع خليل الشقاقي وبموجبه أكثر من 60 في المائة من الفلسطينيين سيسعدهم ان يحملوا بطاقة الهوية الزرقاء. 

تتمتع دولة إسرائيل في العقد الأخير برفاهية انعدام التهديد الوجودي. لا توجد قوة في الشرق الأوسط يمكنها أن تخرج إلى معركة تنتهي بإبادتنا، بالاحتلال أو بالحسم. إذا ما ابتلعنا في داخلنا ثلاثة ملايين فلسطيني، فلا يمكن لاي قانون أن ينجح في ابقائنا كدولة يهودية. فقانون القومية دفن منذ الآن رؤيا هيرتسل وموقعي وثيقة الاستقلال. التاريخ سيحكم إذا كان أيضا شق الطريق لنهاية الحلم الصهيوني.