القانون رقم 7

بدأت مفاعيل قانون الأحزاب السياسية الجديد تنعكس على المشهد السياسي وسط جدلية حادة حول دستورية التشريع وأثره الفعلي على العمل الحزبي الذي ما يزال عقيما لأسباب تشترك الحكومة وقيادات الأحزاب في تحمل مسؤوليتها.

اضافة اعلان

 خرج من الساحة أحزاب رفعت الصوت عاليا لسنوات لكنها لم تنجح في تطوير قول حزبي يكسبها عضوية عشرات. وبقي فيها أحزاب أخرى لا يستطيع سوى حزب جبهة العمل الإسلامي بينها ادعاء وجود قاعدة شعبية تلتف حول طروحاته.  تواجه هذه الأحزاب الآن تحدي البقاء والنمو في بيئة معادية, ثقافيا وسياسيا, للعمل الحزبي.

وتماما مثلما تسببت الممارسات الحكومية وعجز الطروحات الحزبية في عزوف الأردنيين عن الانخراط تنظيميا في الشأن العام, فإن تغيرا جذريا في تعامل الحكومة مع مؤسسات المجتمع المدني وحركة تحديثية في منهجيات عمل الأحزاب وبرامجها يشكلان معا شرط انطلاق عمليةٍ تجذّر العمل الحزبي ثابتا أساسيا في المشهد السياسي.

يفترض على الحكومة تنفيذ توجيهات الملك التي ما انفكت تؤكد مركزية العمل الحزبي في جهود تحديث البلد وتحسين أدائه. وهذا لن يتأتى بالاستمرار في إطلاق التأكيدات اللفظية التي لا تجد صدى على أرض الواقع.

 ثمة ممارسات حكومية تحاصر العمل الحزبي وتستهدف ناشطيه وتخوف المواطنين من تبعات المشاركة فيه. ولأن الثقافة الجمعية تخشى العمل الحزبي الذي حاربته الحكومة في السابق خطرا على المملكة وسببا للمساءلة والتضييق, ولدواع تاريخية يمكن قبول أن بعضها كان شرطا لحماية مشروع الدولة,  يجب أن تقود الحكومة مسيرة اقتلاع الخوف المجتمعي من تبعات الانضمام إلى الأحزاب.

أما سبيل ذاك فلا يحتاج إلى عبقريات تنظيرية للاهتداء إليه. المسألة سهلة إن توفرت الإرادة. هنالك تشريعات يجب أن تتغير. وهنالك مساحة للحركة والمساءلة والتواصل يجب أن تتاح.

لكن حتى لو انسحبت الحكومة كليا من الساحة وتركت الأحزاب تصول فيها وحدها وتجول, لن تحظى الأحزاب بالقبول الشعبي إلا إذا قدمت للمواطن برامج تحاكي اهتماماته وهواجسه وتقنعه بمنطقية أهدافها.

 فأكثرية الأحزاب ما تزال أسيرة أدوات عمل بالية لا تمت إلى الراهن بصلة ولا يجمعها بأولويات الناس رابط. بعض هذه تابع لحركات عبر قطرية ومحكوم بأجندات مموليه وقياداته في الخارج, وبعض آخر امتداد لحقبة انتهت صلاحية شعاراتها وثبتت عبثية عقائدياتها.

تغيّر الأحزاب شرط تغيير نظرة الناس إليها. تحتاج القيادات الحزبية أن تعيش الراهن بكل خصوصياته حتى تحقق الوصل مع المواطنين. الناس يريدون برامج عمل وخطط إصلاح وقولا سياسيا واقعيا يستهدف الإنجاز لا دغدغة العواطف المنهكة بالفقر واليأس والإحباط. عجزت الأحزاب عن تلبية هذه الحاجة فجافاها المواطنون. وسيقترب الشعب منها إن هي اقتربت من أولوياته عبر عمل برامجي يعكس اهتماماته ويقدم مصالحه ووطنه على أجندات أي آخر.

تستطيع الأحزاب أن تغرق الناس بالبيانات. ويمكنها أن تظل تخدع نفسها بحصر أسباب هامشيتها في سياسات الحكومة. لكن ذاك لن يكسبها عضوية مواطن واحد إذا لم تعترف بقصورها وتعالجه. أما الحكومة فلن تقنع أحدا بقولها إنها تريد الأحزاب شريكا في العمل العام طالما بقي في البلد تشريع, اسمه قانون الاجتماعات العامة رقم 7, يعطي خادما عاما صلاحية منع محاضرة أو مسيرة, من دون حتى أن يفسر لماذا.

[email protected]